الخميس، 08 جمادى الأولى 1447 ، 30 أكتوبر 2025

نبات البردي : تاريخ عريق وصناعة فريدة تربط مصر القديمة بالعصر الحديث

كيف شكل نبات البردي أساس صناعة الورق في مصر القديمة؟ اكتشف أسرار هذا التراث الفريد

الفضة
نبات البردي
أ أ
techno seeds
techno seeds
نبات البردي، المعروف علمياً باسم Cyperus papyrus، هو نبات مائي انتشر في مناقع دلتا مصر وعلى ضفاف الترع. استخدمه المصريون القدماء في مجالات متعددة، أهمها صناعة ورق البردي لتسجيل الأحداث والعلوم والأدب، بالإضافة إلى صناعة المراكب والحبال والسلال والحصير. وانتشرت معرفة استخدامه إلى شعوب العالم عن طريق الفينيقيين عبر ميناء "بيبلوس"، ومن اسم الميناء اشتق الإغريق.

في مصر الإسلامية، استمر استخدام ورق البردي منذ الفتح العربي وحتى نهاية العصر الإخشيدي (20–358 هـ / 640–969 م).

وقد شهدت صناعة ورق البردي تطوراً كبيراً مقارنة بالعصور القديمة، نتيجة اهتمام الخلفاء والولاة بزراعة نبات البردي وتصنيعه في المدن والقرى لتلبية احتياجات الدواوين والرسائل الرسمية.

وامتدت هذه الصناعة لتشمل أنواعاً متعددة من الورق وانتشرت في أنحاء البلاد الإسلامية، كما أصبحت تجارة ورق البردي مصدراً اقتصادياً هاماً، إذ احتلت المرتبة الثانية بعد تجارة المنسوجات، مع مراقبة الحكومة لإنتاجه وأسعاره داخلياً وخارجياً.



استُخدم ورق البردي في العصر الإسلامي كأداة أساسية للكتابة والتدوين في مجالات متنوعة شملت الحياة الاقتصادية والإدارية والسياسية والاجتماعية والدينية، من كتابة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف إلى المخطوطات والدواوين الرسمية والعقود والمعاملات التجارية والشخصية، إضافة إلى الوثائق الإدارية وقوائم العمال والحرف والصناعات، ووصفات طبية للأعشاب المعروفة في مصر الإسلامية.

يُعد نبات البردي من أقدم النباتات التي عرفها الإنسان، وقد لعب دوراً أساسياً في حياة المصريين القدماء.

فقد اكتشف المصريون منذ العصور المبكرة فوائد هذا النبات واستفادوا منه في مختلف جوانب حياتهم.

استُخلص الجزء الرخو من أسفل ساق النبات ليُستخدم كغذاء شعبي، بينما استُخدم باقي الساق لصناعة أدوات متعددة مثل الصناديق والمناضد والسلال والحصير وأشرعة الزوارق.

كما استُخدم لب النبات في صنع نعال الكهنة، والسيقان الجافة في صناعة المراكب الصغيرة لصيد الطيور والأسماك في المستنقعات والبرك، وألياف البردي لصناعة الحبال المقاومة للماء.

وكان الاستخدام الأهم لنبات البردي هو صناعة الورق، الذي دخل في مجالات الكتابة والتدوين، ليصبح مادة اقتصادية هامة. ونتيجة لذلك، قام المصريون بزراعة البردي والاعتناء به بشكل مكثف لتلبية احتياجاتهم الإنتاجية والاقتصادية.



ورق البردي: شاهد على الحضارة المصرية القديمة

يرتبط ورق البردي ارتباطاً وثيقاً بالحضارة المصرية القديمة، إذ يُعتقد أن تطويره بدأ في مصر نحو عام 2900 قبل الميلاد، مع انتشار استخدامه بشكل أوسع خلال فترة الدولة الحديثة (1550–1070 قبل الميلاد).

ويعد أقدم دليل أثري على ورق البردي مستنداً إلى وثائق اكتشفت في ميناء مصري على ساحل البحر الأحمر تعود إلى الفترة بين 2560–2550 قبل الميلاد.

ينتج ورق البردي من نبات مائي يعرف علمياً باسم Cyperus papyrus، وموطنه الأصلي دلتا النيل. يصل ارتفاع سيقان النبات إلى حوالي 5 أمتار، وتستخدم براعم النبات وأليافه في مختلف أغراض الحياة اليومية، مثل صنع الأشرعة، والحصير، والسلال، والحبال، والصنادل، وقوارب الصيد الصغيرة.

كما استُخدم النبات في الطقوس الدينية وصناعة الرموز السياسية، مثل شارة “سما تاوي” التي تمثل وحدة مصر العليا والسفلى، ورمز “العنخ” الذي يدل على الحياة الأبدية.

وكان الاستخدام الأهم للبردي في مصر القديمة هو صناعة الورق، الذي شكّل الوسيلة الرئيسية للكتابة والتدوين.

حيث كانت أوراق البردي خفيفة الوزن ومرنة وسهلة التخزين، مما جعلها مثالية لتسجيل النصوص الدينية، والسجلات الحكومية، والوثائق القانونية، والأدب، والمراسلات الشخصية.

وكانت عملية التحويل تتضمن إزالة القشرة الخارجية للنبات، وقطع اللب الداخلي إلى شرائح، وترتيبها متقاطعة وضغطها معًا، مع الاستفادة من عصارة النبات كمادة لاصقة، قبل أن تُجفف في الشمس لتصبح صالحة للكتابة.

واحتفظ المصريون القدماء بسرّ صناعة البردي، ما أتاح لهم الاحتفاظ باحتكار إنتاجه، لكنه انتشر لاحقاً إلى الحضارات الأخرى مثل اليونان وروما، وأصبح وسيلة لنقل المعرفة والأدب بين الشعوب.

ومع دخول العرب إلى مصر وتعلمهم صناعة الورق من الصينيين في القرن العاشر، بدأ نبات البردي في التراجع تدريجياً عن زراعته في دلتا النيل.

ساهم المناخ الجاف في مصر في الحفاظ على أوراق البردي لآلاف السنين، مما مكن الباحثين من دراسة نصوص دينية، وطبية، وأدبية، وإدارية محفوظة بشكل جيد. ومن أبرز هذه المخطوطات بردية “إدوين سميث” الطبية التي توضح ممارسات الجراحة والطب، وبردية “إيبرس” التي تحتوي على نصوص طبية مفصلة، بالإضافة إلى برديات أدبية مثل حكاية البحار الغريق و“سنوحى”.

وبهذا شكل ورق البردي عنصراً محورياً في حياة المصريين القدماء، بدءًا من استخدامه الغذائي واليومي وصولاً إلى حفظ المعرفة والعلوم، ليظل شاهداً على عظمة حضارتهم ومساهمتها في ترسيخ أسس الكتابة والثقافة في العالم القديم.

نبات البردي (Cyperus papyrus)، المعروف أيضاً باسم ورق البردي أو قصب ورق مصري، هو نبات مائي معمر ينتمي إلى النباتات الحولية أو دائمة الخضرة، ويتميز بسيقان صلبة مثلثة الشكل تحتوي على لب داخلي أبيض، وأوراق كثيفة دائمة الخضرة تشبه العشب، وأزهار صغيرة بنية اللون.
ويعد موطنه الأصلي مناطق أفريقيا، وخاصة دلتا النيل في مصر.




طريقة النمو والتكاثر

يتكاثر نبات البردي أساساً عن طريق الجذور، ويمكن أن يتكاثر عبر البذور لكنها عملية أبطأ.
ينمو بسرعة، ويبدأ موسم نموه الطبيعي من يوليو حتى سبتمبر، مع إمكانية زراعته في أوائل فصل الربيع.
يصل ارتفاع النبات عادةً إلى 2.5–4 أمتار، ويمتد بمسافة تتراوح بين 0.5–1 متر تقريباً.

شروط العناية بنبات البردي

ينمو نبات البردي بشكل أفضل في التربة المستنقعية الرطبة ذات التصريف الضعيف، ويحتاج إلى أشعة الشمس الكاملة أو الظل الجزئي، كما يفضل درجات الحرارة الدافئة ولا يتحمل الصقيع.
يحتاج النبات إلى ري منتظم للحفاظ على رطوبته، وتسميد شهري باستخدام سماد سائل متوازن، مع إزالة السيقان المتكسرة عند الحاجة.

الاستخدامات


لعب نبات البردي دوراً تاريخياً مهماً في الحضارة المصرية القديمة، حيث استُخدم لصناعة ورق البردي الذي شكل أداة رئيسية للكتابة والتوثيق منذ آلاف السنين.
كما يُستخدم النبات اليوم في الحدائق المائية كنبات زينة، نظراً لمظهره الجذاب وسهولة نموه في المياه الضحلة.

الأمراض والآفات

يعتبر نبات البردي من النباتات المقاومة للأمراض والآفات، إلا أنه قد يتأثر أحياناً بفطر الصدأ الذي يغير لون السيقان والأوراق.

أصناف نبات البردي

يوجد العديد من الأصناف التجارية لنبات البردي، منها:
سعد مظلي (Cyperus alternifolius): 12–24 بوصة.
سعد مرهف (Cyperus gracilis): 24–36 بوصة.
قرد بردى قزم (Cyperus haspens): 12–18 بوصة.
ورق البردي العملاق (Cyperus percamenthus): 24–30 بوصة.
الملك توت (King Tut): 48–60 بوصة.
توت الصغير (Baby Tut): 12–24 بوصة.
بهذا، يظل نبات البردي من النباتات الفريدة التي تجمع بين القيمة التاريخية والحضارية والاستخدامات العملية والزينة، كما يعكس أهميته في حياة المصريين القدماء وفي حدائق اليوم.


الشرقية تواصل زراعة أقدم المحاصيل

يظل نبات البردي مرتبطًا في الوعي الشعبي المصري بالحضارة الفرعونية، إذ يعد من أقدم النباتات التي تم زراعتها منذ عهد الفراعنة، واستخدمت لتسجيل تاريخهم وثقافتهم.
وحتى اليوم، يحافظ البردي على مكانته في العديد من الصناعات، وتظل محافظة الشرقية هي الأكثر زراعة له بمساحات واسعة.

زراعة البردي في الشرقية

تُعد زراعة البردي نشاطًا زراعيًا مهمًا في محافظة الشرقية، حيث تُستخدم عيدان النبات لإنتاج أوراق البردي.
يتميز النبات بقدرته على البقاء في الأرض لفترة طويلة تصل إلى 15 عامًا وأكثر، ويتطلب عناية خاصة أثناء الحصاد والتصنيع للحصول على أوراق ذات جودة عالية.
تساهم صناعة أوراق البردي في التنمية الاقتصادية، وتوفير فرص العمل، وتمثل مصدرًا مهمًا للإيرادات التصديرية.
ومع دعم هذه الصناعة وتطويرها، يمكن تحقيق نمو اقتصادي مستدام وتحسين مستوى المعيشة للمجتمعات المحلية.

التحديات التي تواجه التوسع في زراعة البردي

تركز التحديات على عدم الاستفادة الكاملة من الموارد والتكنولوجيا الحديثة، ما يؤثر على جودة المنتج وتكلفته، بالإضافة إلى نقص العمالة المدربة، وصعوبة تسويق المنتج محليًا ودوليًا.


توصيات لتعزيز صناعة البردي

زيادة الاهتمام بتسويق أوراق البردي محليًا ودوليًا.
تفعيل دور روابط منتجي ومصنعي أوراق البردي.
إنشاء ورش متطورة ومتخصصة لتصنيع أوراق البردي.
استخدام أوراق البردي في طباعة شهادات التخرج بالجامعات والمدارس لتعريف الأجيال الجديدة بها.
إدخال أوراق البردي المطبوعة في صناعات متنوعة مثل المفارش، الأثاث، اللوحات، الملابس، واستخدامها كهديا للسياح والفنادق والمطارات.
دعم الدولة لأسعار المواد الخام المستخدمة في التصنيع.
زيادة الحصص المقررة من الأسمدة اللازمة لزراعة البردي.
التركيز على تدريب طلاب كليات الزراعة خلال الصيف على إنتاج البردي، وتمكينهم من تبني النشاط مستقبلاً والمساهمة في تطويره.

تُعد الحرف اليدوية التراثية جزءًا مهمًا من تراث محافظة الشرقية، حيث تعتمد على مهارة الصناع واستخدام المواد الأولية المحلية أو المستوردة.
ومن أبرز هذه الحرف، صناعة ورق البردى في قرية القراموص بمركز أبو كبير، التي يمتلك غالبية أهالي القرية خبرة عميقة فيها منذ العصور الفرعونية.
كانت زراعة نبات البردى أساسًا لصناعة الورق منذ أكثر من 50 عامًا، حيث بلغت المساحة المزروعة نحو 500 فدان، ما أدى إلى زيادة الإنتاج وتوفير مستنسخات من الفن المصري القديم، بالإضافة إلى خلق فرص عمل للشباب والنساء المعيلات، مما ساهم في الحد من البطالة وجذب العمالة من القرى المجاورة.

تمر صناعة ورق البردى بعدة مراحل، تبدأ بجمع النبات، واختيار السيقان الشابة، ثم نزع القشور الخارجية وقطعها إلى شرائح غُمرت في الماء لتصبح مرنة.
بعد ذلك، تُفرد الشرائح وتوضع فوق بعضها لتشكيل نسيج لاصق يُضغط ويُترك ليجف، ثم تُقطع وتُلمع لتصبح صالحة للكتابة أو للزينة.
على الرغم من التراجع في السنوات الأخيرة نتيجة الاعتماد على السياحة وصعوبات التمويل، ما زالت القرية مركزًا مهمًا لهذه الحرفة، مع جهود لتطويرها من خلال تحسين الجودة.




القراموص.. كنز تاريخي في صناعة ورق البردي بمركز أبو كبير

قرية القراموص، إحدى قرى مركز أبو كبير بمحافظة الشرقية، تُعد واحدة من أندر القرى في العالم التي تحافظ على حرفة صناعة ورق البردي من بدايتها حتى نهايتها.
فهي ليست مجرد قرية مصرية، بل مركز عالمي متميز في هذه الصناعة التي يعود تاريخها إلى العصور الفرعونية.
القراموص، التي اشتهرت بزراعة نبات البردي واستخدامه في كتابة ورسم الفنون، تبقى الوحيدة في العالم التي لا تزال تمارس هذه الحرفة القديمة بكل تفاصيلها.

تاريخ القراموص: من العصر الفاطمي إلى العصر الحديث

تعود نشأة قرية القراموص إلى العهد الفاطمي، وهي جزء من تاريخ أبو كبير، التي تأسست في زمن المنتصر الفاطمي، ويعود نسب أهلها إلى قبيلة هزيل.
خلال العصور الإسلامية، كانت أبو كبير تعرف بأنها أرض الزراعة التي ارتحل إليها كثير من العرب للعمل في الزراعة، وكانوا يعتزون بتاريخهم وأعلامهم مثل الشاعر الجاهلي عامر بن الجليس، الذي اشتهر بلقب "أبو كبير".
كما كان للقرية دور في ملكية الأراضي في العهد العثماني، حيث كانت أرض القراموص جزءًا من ممتلكات الخديوي إسماعيل.

القراموص.. مركز عالمي لصناعة ورق البردي

اليوم، القراموص لا تزال تحتفظ بتراثها الفريد في صناعة ورق البردي، حيث يبدأ الفلاحون من زراعة نبات البردي، ليقوموا بعدها بتحويله إلى ورق بديع يُستخدم في العديد من المجالات، مثل الطباعة، وصناعة الحقائب الجلدية، والديكورات.
بل إن بعض المبدعين في القرية يبتكرون رسومات وأعمال فنية على ورق البردي، مثل النقوش الإسلامية والمناظر الطبيعية.
وقد أصبح هذا التراث جزءًا من الجذب السياحي، حيث يُمكن للزوار مشاهدة تقنيات صناعة البردي كما كان يصنعها الفراعنة.
فهذه الحرفة التاريخية تجذب السياح من جميع أنحاء العالم، الذين يقصدون القرية ليس فقط لرؤية كيفية صنع البردي، بل للتمتع بمشاهد الطبيعة الخلابة وأجواء الحياة التقليدية التي لا تزال قائمة في القرية.

قرية القراموص في الأرقام:

عدد السكان في عام 2024: 18,896 نسمة.
القراموص تقع ضمن الوحدة المحلية لقرية الرحمانية، وهي واحدة من أربع قرى رئيسية في المنطقة.
القراموص تضمن العديد من العزب والكفور التي تشكل جزءًا من هذا المجتمع الزراعي العريق.

تاريخ القراموص في الإحصاءات

من خلال الإحصاءات التاريخية، يمكن رؤية كيف تطورت القرية عبر السنين.
في إحصاء 1882، كان عدد السكان حوالي 822 نسمة، بينما وصل العدد في إحصاء 1996 إلى 10,862 نسمة، مما يعكس النمو السكاني في القرية.
وتُظهر الإحصاءات الحديثة أن عدد سكان القراموص قد تجاوز 18 ألف نسمة في عام 2024.

تجربة سياحية فريدة في القراموص

من بين الأنشطة السياحية التي توفرها القراموص، يمكن للزوار التعرف على عملية زراعة نبات البردي واستخراجه، فضلاً عن زيارة الورش التي يقوم فيها الحرفيون بنقش ورسم التصاميم التقليدية على ورق البردي.
يُعتبر هذا التراث الحرفي من أروع وأندر التجارب الثقافية التي تُسهم في تسليط الضوء على حضارة مصر القديمة.
تستمر قرية القراموص في الإبهار بجمال تراثها، مخلدة ذكرى أجدادها في صناعة ورق البردي، وتستمر في جذب الزوار من كافة أنحاء العالم الذين يأتون للاستمتاع بجمال المكان والاستمتاع بتجربة تاريخية فريدة.
لا تُعتبر القراموص مجرد قرية صغيرة في قلب محافظة الشرقية، بل هي سفير للتراث المصري الأصيل.





كلمات البحث
اشترك في قناة اجري نيوز على واتساب اشترك في قناة اجري نيوز على جوجل نيوز
icon

الأكثر قراءة