قال الإعلامي محمد موسى إن ما يجري في سوريا خلال الأيام الأخيرة ليس مجرد تطورات ميدانية عابرة، بل يمثل إعادة رسم حقيقية لخريطة المنطقة بأكملها.
وأوضح محمد موسى خلال تقديم برنامج "خط أحمر" على قناة الحدث اليوم، أن إعلان أبو محمد الجولاني، المعروف باسمه الحقيقي أحمد الشرع، مطالبته رسميًا من روسيا بتسليم بشار الأسد لمحاكمته، ليس تصرفًا عشوائيًا أو مجرد فرقعة إعلامية، بل رسالة سياسية مقصودة وموجهة إلى موسكو والعالم، مفادها أن المرحلة المقبلة في سوريا مختلفة جذريًا، وأن من كانوا يخشون النطق باسم الأسد بالأمس أصبحوا اليوم يطالبون علنًا بمحاكمته.
وتساءل موسى: هل يمكن أن تبيع روسيا الأسد بالفعل؟"
وأشار إلى أن موسكو، التي راهنت على النظام السوري منذ اندلاع الحرب، استثمرت سمعتها ووجودها العسكري دفاعًا عن بقاء الأسد، لكنها الآن تواجه ظروفًا مغايرة تمامًا فالحرب في أوكرانيا أضعفتها اقتصاديًا وسياسيًا، وجعلت وجودها في سوريا عبئًا أكثر منه مكسبًا، خصوصًا بعد فقدان السيطرة على مناطق واسعة.وأضاف: من المحتمل أن تكون روسيا تفكر في صفقة تحفظ لها مصالحها وتخفف الضغط عنها، حتى وإن كانت هذه الصفقة على حساب الأسد نفسه."
وبيّن موسى أن تصريحات الجولاني قد تكون جزءًا من طبخة سياسية كبرى تُعد في الخفاء، تقوم على مقايضة غير معلنة توافق روسيا على تسليم الأسد مقابل ضمانات لبقاء قواعدها العسكرية في طرطوس وحميميم، واستمرار نفوذها الاقتصادي والسياسي في سوريا، في ما يشبه صفقة "ما بعد الحليف" أي بيع رمزي للأسد مقابل الاحتفاظ بالوجود الروسي.
وقال موسى إن هذا النمط ليس جديدًا على موسكو التي اعتادت التخلي عن حلفائها عندما تصبح كلفتهم أعلى من مكاسبهم.
ولفت إلى أن المفارقة الكبرى تكمن في أن الجولاني نفسه، الذي كان أحد رموز التنظيمات الإرهابية، أصبح اليوم يتحدث بلغة الدولة والسياسة، ويقدم نفسه كقائد محتمل للمرحلة الانتقالية، مما يشير إلى أن المشهد السوري لم يعد محليًا، بل بات جزءًا من مشروع دولي أوسع لإعادة توزيع النفوذ داخل سوريا دون إعلان رسمي عن تقسيمها.
وأوضح أن هذا المخطط يهدف إلى تقاسم النفوذ عبر مناطق حكم ذاتي وإدارات محلية، بحيث يحصل كل طرف دولي على نصيبه من
"الكعكة السورية".
وأكد موسى أن ما يحدث الآن هو نسخة جديدة من تقسيم الشرق الأوسط، ولكن بأسلوب حديث، لا يقوم على رسم الحدود الجغرافية، بل على تقسيم النفوذ الاقتصادي والعسكري والسياسي.
وأضاف أن روسيا تسعى قبل كل شيء إلى الحفاظ على وجودها على ساحل البحر المتوسط، لأن قواعدها هناك تمثل مفتاح حضورها الإقليمي. لذلك، حتى لو تخلت عن الأسد، فلن تتخلى عن وجودها، لأن الأسد بالنسبة لها أصبح ورقة قابلة للاستبدال وفق المصلحة.
وقال موسى: المشهد كله انقلب. من كان مطاردًا بتهم الإرهاب يتحدث اليوم عن العدالة، ومن كانت تدعم النظام تبحث الآن عن صفقة تحفظ مكاسبها.
نحن أمام فصل جديد في إعادة رسم الشرق الأوسط، لكن هذه المرة بخريطة غير مرسومة، بل بخطوط مصالح متشابكة."
وأضاف أن السؤال الحقيقي لم يعد: هل ستسلم روسيا الأسد؟" بل أصبح: لمن ستسلمه؟ وبأي ثمن؟ لأن الصراع لم يعد حول الأشخاص، بل حول مصالح الدول وتوازن القوى.
واختتم موسى حديثه قائلًا:"سوريا أصبحت عنوانًا لصراع جديد يتشكل، والنظام لم يعد سوى تفصيلة في لوحة أوسع ترسمها القوى الدولية على مقاس مصالحها. ومع ذلك، هناك لاعب رئيسي لا يمكن تجاهله، وهو مصر، التي تظل حجر العثرة الحقيقي أمام أي محاولة لتفكيك سوريا أو تمدد الإرهاب في المنطقة. فموقف القاهرة الثابت هو الأمل الأخير في منع سيناريوهات التقسيم والفوضى."