قال الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر الشريف، إن من أرقّ مشاهد النبوة وأجملها ما نراه في أدب النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه واستسقائه، حيث يجمع بين الرقة في اللفظ والعمق في المعنى، مع الأدب الرفيع في مناجاة الله تعالى والحرص على نفع الأمة.
وأوضح الدكتور داود، خلال حلقة برنامج "بلاغة القرآن والسنة"، المذاع على قناة الناس اليوم الجمعة، أن الصحابة رضوان الله عليهم شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوماً قائلين: "يا رسول الله، هلك الزرع والضرع، فادعُ الله أن يُمطرنا"، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل المطر بغزارة حتى شكا الصحابة مرة أخرى من شدته، فقالوا: "يا رسول الله، هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادعُ الله أن يُمسكه عنا".
وأضاف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: «اللهم أمطر حوالينا ولا تمطر علينا»، بل اختصر فقال: «اللهم حوالينا ولا علينا»، فحذف الفعلين أمطر ولا تمطر، في إشارة إلى تعجيل الدعاء، وإيجازه البليغ، وإظهار الارتباط المباشر بالله دون تطويل في مقام الاضطرار.
وبيّن رئيس جامعة الأزهر أن هذا الحذف النبوي يدل على سرعة الاستجابة القلبية وتفرغ اللسان للابتهال، فقال: "حذف الفعل في الجملتين من بلاغة النبوة، إذ أغنت كلمة واحدة مثل (حوالينا) عن جملة كاملة، فكانت قمة الإيجاز وجمال البيان".
وأشار الدكتور داود إلى أن العلماء وقفوا طويلاً أمام ترتيب الدعاء في قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم حوالينا ولا علينا»، متسائلين: لِمَ قَدَّم النبي طلب بقاء المطر قبل طلب صرفه؟ فأجابوا أن في ذلك أدباً عظيماً، لأن المطر نعمة لا تُطلب إزالتها، بل يُطلب توجيهها حيث تنفع ولا تضر.
وقال: "هكذا يعلّمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نحافظ على نعم الله، وألا نستثقل الخير حين يكثر، بل نسأله تعالى أن يصرفه بحكمته حيث يكون رحمة لا مشقة، فكان دعاؤه نموذجًا لأدب العبد مع مولاه وشكر النعمة قبل طلب رفعها".



