أ
أ
أكد الدكتور نادر نور الدين، الخبير الزراعي وأستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، أن مصر تشهد حاليًا ما وصفه بـ"عصر النهضة الزراعية الثاني"، مشيرًا إلى أن ما يجري من مشروعات قومية للتوسع الأفقي يمثل أكبر طفرة زراعية منذ عصر محمد علي باشا في الفترة من 1805 إلى 1840، والذي أنشأ آنذاك ترعتي الإسماعيلية والسويس بهدف زيادة الرقعة الزراعية.
الدولة تسابق احتياجات العصر بالمشرروعات القومية
وأوضح نور الدين في تصريحات خاصة لـ اجري نيوز أن الدولة نجحت في تنفيذ ترعتين ضخمتين لمشروع "مستقبل مصر" بطول 176 كم لري نحو 2.2 مليون فدان، إلى جانب إعادة إحياء مشروعي توشكى وشرق العوينات، والتوسع الزراعي في وسط وجنوب سيناء، وزراعة مساحات من مشروع ترعة السلام بشمال سيناء وغرب القناة. كما أشار إلى مشروع "القرية المصرية" لزراعة 1.5 مليون فدان في منطقة المغرة وغرب المنيا، بالإضافة إلى مساحات صحراوية جديدة في محافظات الوادي، ومشروعات واسعة للصوب الزراعية في قاعدة محمد نجيب والإسماعيلية الجديدة.
شرط نجاح زراعة الصحراء
وأشار الخبير الزراعي إلى أن نجاح التوسع في زراعة الصحراء يعتمد على توفير كميات كبيرة من الأسمدة المناسبة لطبيعة الأراضي الصحراوية ضعيفة الخصوبة، مؤكداً أن الأسمدة تمثل "قاعدة أي نهضة زراعية"، كما شدد على ضرورة إعداد كوادر فنية متخصصة مدربة على الزراعة الحديثة والزراعة الذكية ثم الزراعة الرقمية وصولًا إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي، موضحًا أنه لا يمكن الانتقال مباشرة من الزراعة التقليدية إلى الزراعة بالذكاء الاصطناعي دون المرور بالمراحل العلمية الوسطى.وأكد نور الدين أهمية اختيار الخبراء المتخصصين في زراعة الأراضي الصحراوية، واستخدام التقاوي الحديثة عالية الإنتاجية، واستصلاح التربة وغسيلها من الأملاح قبل بدء الزراعة ،كما دعا إلى إنشاء مراكز داخل المشروعات للتقاوي والمبيدات، بجانب مراكز للتسويق والتصدير، مع وضع خطط دقيقة لنظم الصرف الزراعي لتجنب ارتفاع منسوب المياه الجوفية كما حدث سابقًا في مناطق مثل بدر والخطاطبة وجناكليس ومديرية التحرير.
دعم الفلاح أساس أي نهضة زراعية
كما شدّد أستاذ الموارد المائية على ضرورة دعم المزارعين بشكل مباشر، موضحًا أن جميع دول العالم، سواء الغنية أو النامية، تقدم دعماً ثابتاً للفلاحين لضمان استمرارية الإنتاج الزراعي، حيث تتجاوز قيمة الدعم الزراعي في الولايات المتحدة وحدها نحو 100 مليار دولار سنويًا، بالإضافة إلى برامج الدعم الواسعة في دول الاتحاد الأوروبي.وأوضح نور الدين أن الفلاح المصري يحتاج في المرحلة الحالية إلى تثبيت أسعار السولار والطاقة، نظرًا لأنهما يشكلان ما يقرب من 30% من تكلفة الإنتاج الزراعي، بما يشمل تشغيل الجرارات وأعمال الحرث والزراعة والحصاد والدراس، وتشغيل طلمبات رفع المياه، فضلًا عن نقل المحاصيل من الحقول إلى الأسواق، وكلها تعتمد بشكل رئيسي على السولار. وأضاف أن ارتفاع أسعار الكهرباء ينعكس مباشرة على تكلفة إنتاج الأسمدة والمبيدات، مما يحمّل المزارع عبئًا إضافيًا.
تفعيل دور التعاونيات الزراعية ضرورة هامة وليس رفاهية
وأشار الخبير الزراعي وموارد الري إلى أهمية إعادة تفعيل الدور الحقيقي للتعاونيات الزراعية، بحيث تكون ممثلة للفلاحين لا تابعة للجهات الحكومية، لتتولى شراء التقاوي والأسمدة والمبيدات بأسعار الجملة من المصانع، ثم توفيرها للمزارعين بأسعار مناسبة، إلى جانب تسويق المحاصيل والتفاوض مع الحكومة حول أسعار توريد السلع الاستراتيجية مثل القمح وقصب وبنجر السكر والحليب والدواجن والبيض، بما يحدّ من تحكم التجار في الأسعار. كما بيّن أن هذه التعاونيات يمكنها كذلك إدارة عمليات التصدير والاستيراد المتعلقة بالمدخلات الزراعية والآلات والمعدات.
و اكد نور الدين على أهمية جعل الزراعة مهنة مربحة من جديد، والعمل على تحسين مستوى معيشة المزارعين، مشيرًا إلى أن معدلات الفقر تتركز اليوم في الريف نتيجة ضعف العائد من النشاط الزراعي، وهو ما يستدعي حلولًا شاملة تعيد للفلاح مكانته ودوره في الاقتصاد الوطني.
