تأكيدًا على أهمية الأمن الغذائي، شدد وزراء الزراعة السابقون في تصريحات خاصة لـ "اجري نيوز" على أن تحقيق الاكتفاء الذاتي يبدأ بضرورة دعم المزارع بشكل فعال، إلى جانب اتخاذ إجراءات فورية لضبط الأسعار في السوق لحماية المستهلك ، وأكدوا أن تعزيز المخزون الاستراتيجي من المحاصيل الأساسية، ومراجعة سعر الذرة المتدني الذي أدى لعزوف المزارعين، تمثل أولويات قصوى لتقليل فاتورة الاستيراد وضمان استقرار الإمدادات الغذائية للبلاد.
قال الدكتور صلاح محمد عبد المؤمن، وزير الزراعة الأسبق، إن التذبذب المستمر في سعر الدولار يؤثر بشكل مباشر على فاتورة الاستيراد، خاصة في السلع الاستراتيجية مثل القمح والذرة، مؤكداً أن تطوير منظومة التخزين يعد العنصر الأهم لتقليل الاعتماد على الخارج.
وأشار إلى أن إنتاج مصر من القمح يتجاوز 9 ملايين طن سنويًا، في حين لا تتعدى الطاقة الاستيعابية للصوامع الحالية 3.8 إلى 4 ملايين طن فقط، ما يؤدي إلى خروج جزء من الإنتاج إلى السوق الخارجية، سواء للتجار أو المخابز، مما يقلل من الفائدة الاقتصادية.
وأوضح أن التوسع في إنشاء وحدات تخزين جديدة سيمكن البلاد من الاحتفاظ بكميات أكبر من القمح، ويعزز المخزون الاستراتيجي، وهو أمر ضروري في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.
أهمية الذرة تكمن في التصنيع وليس الزراعة
وفيما يتعلق بمحصول الذرة، أكد عبد
المؤمن أن أهميته تكمن في التصنيع أكثر منها في الزراعة فقط، مشيراً إلى أن مرحلة
ما بعد الحصاد من حفظ وتكثيف المحصول لفترات طويلة تفتقر إلى التقنيات الحديثة،
سواء لدى المزارعين أو الشركات الكبرى، مما يشكل عائقًا أمام تطوير هذا القطاع.
ولفت إلى أن انخفاض سعر الذرة هذا العام بنحو 500 جنيه للأردب مقارنة بالعام الماضي أدى إلى عزوف كثير من المزارعين عن زراعتها، خاصةً وأن الذرة محصول مرهق للتربة ويستهلك كميات كبيرة من الأسمدة، مما يجعل زراعتها غير مجدية اقتصادياً.
ودعا الوزير الأسبق إلى وضع سعر استرشادي لمحصول الذرة من جانب الدولة، مع تفعيل منظومة تسويق تعاوني تساعد الفلاحين على تصريف إنتاجهم بأسعار عادلة، مؤكداً أن الفلاح لن يستمر في زراعة محصول خاسر، خاصة مع ارتفاع تكاليف المعيشة، وسيبحث عن محاصيل أكثر ربحية.
تفعيل منظومة تسويق تعاوني تساعد الفلاح و دعم الشباب بالأراضي والخبرة الزراعية
وفيما يخص تمكين الشباب في المجال الزراعي، أكد عبد المؤمن أن مصر دولة زراعية بطبيعتها، ويجب العمل على تشجيع الشباب على دخول هذا المجال دون تحميل الحكومة وحدها كل الأعباء.
وأوضح أن الشباب لا يستطيعون المخاطرة بسهولة بسبب ضعف الإمكانيات، وفي الوقت ذاته لا يمكن للحكومة تقديم كل شيء مجانًا، ولكن يمكنها تقديم التسهيلات اللازمة لتشجيعهم.
واقترح منح الشباب أراضي بحق الانتفاع، مع تقديم الدعم الفني المجاني من خلال خبراء مركز البحوث الزراعية، بالإضافة إلى توفير الإرشاد الزراعي والتوعية بأساليب الزراعة الحديثة.
وأكد على أهمية توجيه الشباب نحو زراعة المحاصيل التي يحتاجها السوق، بناءً على دراسات دقيقة تحدد حجم الإنتاج المطلوب لكل محصول، لضمان استغلال الموارد بكفاءة وتحقيق الأمن الغذائي.
توسيع الرقعة الزراعية وزيادة الإنتاج المحلي
وشدد عبد المؤمن على أهمية توعية الشباب بدور الزراعة في التنمية، مشيراً إلى أن الزراعة لا تقل أهمية عن أي مجال آخر، وعلى الشباب تحمل المسؤولية وأخذ الأمر بجدية ومثالية.
وأكد أن التدريب والتأهيل الصحيح للشباب يمكنهم من العمل بشكل مستقل، مع نقل الخبرات لاحقًا للآخرين، مما يسهم في توسيع الرقعة الزراعية وزيادة الإنتاج المحلي بشكل كبير.
غياب الرقابة الحكومية على بورصة البيض والدواجن
وفيما يخص قطاع الدواجن، أكد الوزير الأسبق أن استهلاك البيض يرتفع بشكل ملحوظ في فصل الشتاء مقارنة بالصيف.
ونوّه إلى
أن غياب الرقابة الحكومية على بورصة البيض والدواجن يسمح لبعض اللاعبين الرئيسيين
بالتلاعب بالأسعار، موضحاً أن كلما تراجعت الحكومة عن التدخل، زاد استغلال بعضهم
للوضع لتحقيق مكاسب على حساب المستهلك.
وشدد عبد المؤمن على ضرورة أن تكون
الحكومة لاعبًا رئيسيًا في السوق إلى جانب المنتجين والمزارعين، وتتدخل عند الحاجة
لحماية المستهلك من تقلبات الأسعار غير المبررة.
وأوضح أنه إذا ارتفعت أسعار
الدواجن بشكل مبالغ فيه، يجب على الحكومة استيراد كميات كبيرة لضبط السوق وإرسال
رسالة واضحة للمزارعين بعدم التهاون في حماية المواطنين.
وأشار إلى أن شعور المنتج بمراقبة
الحكومة للسوق واستعدادها للتدخل سيحد من المبالغة في الأسعار، وإذا استقر الوضع،
تتوقف الحكومة عن الاستيراد وتترك المجال للمنتج المحلي في إطار من الانضباط.
رقابة فعلية على الأسواق لمتابعة الأسعار وضبطها
وأخيراً، طالب بوجود تنسيق دائم بين الحكومة، والغرف التجارية، واتحاد المنتجين لضمان توازن السوق، مع ضرورة وجود رقابة فعلية لمتابعة الأسعار وضبطها.
وأكد أن لا مجال للجشع على حساب المستهلك، ويجب على الحكومة أن تظل مستعدة للتدخل متى تطلب الأمر، حفاظًا على استقرار السوق وحماية المواطنين.
من
جانبه قال الدكتور صلاح يوسف، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي الأسبق ورئيس اللجنة العلمية للوزير ونائب رئيس الهيئة العلمية العليا للاتحاد العربي للتنمية المستدامة،في تصريح خاص لـ"أجري نيوز" إن قطاع الزراعة في مصر يواجه تحديات كبيرة تستدعي تنسيقًا شاملاً بين جميع الجهات المعنية.
أكد الدكتور يوسف أن دور وزارة الزراعة حاليًا يقتصر على الإرشاد والتوجيه، بينما يحتاج المزارع البسيط إلى دعم حقيقي يمكّنه من الاستمرار في الزراعة وتحقيق التنمية المنشودة. وأوضح أن جهود المسؤولين في القطاع تتزايد، إلا أنه يجب أن تواكبها خطوات عملية أكثر فاعلية.
وأشار إلى أن إجمالي صادرات مصر الزراعية يشهد ارتفاعًا مستمرًا، خاصة مع تحقيق محصول صيفي كبير هذا العام، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن مصر لا تزال تستورد كميات كبيرة من القمح، مما يشكل تهديدًا للأمن الغذائي.
وأوضح أن الاعتماد على استيراد المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح يعرض البلاد لضغوط سياسية واقتصادية، وقد يؤدي إلى تهديدات في حال توقف الدول المصدرة عن التوريد، مشددًا على ضرورة زيادة زراعة المحاصيل الاستراتيجية وتوفير مخزون استراتيجي قوي.
وأضاف أن الزراعة ليست مجرد قطاع اقتصادي، بل هي ركيزة أساسية للأمن القومي، ولا يجوز الاعتماد على الخارج في تأمين الغذاء. وأكد أن مصر دولة مستهدفة، ويجب أن تكون قادرة على الاعتماد على نفسها لتأمين احتياجاتها الغذائية دون تهديدات خارجية.
تحديثات حول ملف المياه وسد النهضة
أكد الدكتور صلاح يوسف أن مصر تطبق أنظمة ري حديثة ساهمت في ترشيد استخدام المياه وتحقيق أقصى استفادة من كل قطرة، خاصة في ظل التحديات المائية التي تواجهها الدولة.
وحذر من الاستهانة بأي تهديد صادر من دول منبع نهر النيل، مشيرًا إلى أن تحركات إثيوبيا المتعلقة بسد النهضة تحمل أبعادًا سياسية وضغوطًا مباشرة على مصر.
وأوضح أن مستوى مياه النيل لم يتراجع بشكل كبير كما يُشاع، وأن الدولة لديها خطط واستعدادات طويلة الأمد للتعامل مع أي طارئ مائي أو فيضانات، معربًا عن ثقة الحكومة في إدارتها الحكيمة للملف المائي بعيدًا عن التهويل الإعلامي.
وأشار إلى أن مشروع "توشكى" قادر على استيعاب كميات كبيرة من المياه في حال حدوث فيضانات، وأن أي زيادة في المياه يتم توجيهها بشكل علمي لخدمة مشروعات التنمية الزراعية.
مشروعات التوسع الزراعي وأهمية دعم الأراضي القديمة
أوضح الوزير الأسبق أن مشروعات التوسع الزراعي مثل "مستقبل مصر" و"الدلتا الجديدة" حققت تقدمًا كبيرًا، حيث تم مضاعفة الرقعة الزراعية بنسبة 100%، ما يمثل طفرة في استصلاح الأراضي واستغلال الموارد المائية.
وفي الوقت ذاته، شدد على أهمية عدم إهمال الأراضي الزراعية القديمة في الوادي والدلتا، مؤكدًا ضرورة التوازن بين الاهتمام بالأراضي الجديدة ورعاية الأراضي القديمة، وتوفير الدعم الفني والخدمي اللازم لها.
كما طالب بزيادة دعم الجمعيات التعاونية الزراعية، كونها تلعب دورًا محوريًا في ربط الدولة بالمزارعين وتحقيق استقرار القطاع الزراعي.
دور الدعم الحكومي والبحث العلمي
أكد الدكتور صلاح يوسف أن منظومة الدعم الحكومي التقليدية لم تعد مناسبة للواقع الاقتصادي الحالي، مشددًا على أن العودة إلى دعم المنتجات أو القطاعات المختلفة غير مجدية، وقد تتحول إلى "شماعة" تعطل الدولة وتبرر ضعف الأداء.
وأشار إلى أن المطلوب هو إصلاح شامل لآليات التسعير وضبط الأسواق وسعر الصرف، حيث أن الدعم الحكومي لا يحقق أهدافه إذا لم يكن هناك استقرار في الأسعار العالمية وسعر صرف العملة الأجنبية.
ودعا إلى الاستثمار في البحث العلمي والتكنولوجيا الزراعية الحديثة، معتبراً أن التقدم الزراعي لا يتحقق إلا عبر المعرفة والابتكار، مؤكدًا أن التكنولوجيا لا تلغي دور الفلاح بل تعزز إنتاجيته.
وشدد على أهمية دعم الباحثين الزراعيين باعتبارهم صمام الأمان لتحديث القطاع الزراعي وضمان الأمن الغذائي، داعيًا إلى اهتمام حكومي ومجتمعي أكبر بالبحث العلمي في جميع المجالات.
قضية الأسمدة وسعر الصرف
أوضح الدكتور صلاح يوسف أن أسعار الأسمدة النيتروجينية في مصر شهدت ارتفاعًا غير مسبوق بسبب الاهتمام بتصديرها على حساب توزيعها بشكل عادل داخل السوق المحلي، مشيرًا إلى تزايد الاعتماد على الأسمدة العضوية التي تحقق أرباحًا جيدة للمنتجين.
وشدد على ضرورة تسميد الأراضي الزراعية بشكل علمي ومدروس لتجنب الضرر على البيئة أو صحة الإنسان، وأكد أن توفير الأسمدة بأسعار مناسبة للمزارع ضروري لتحقيق الإنتاج الاستراتيجي المطلوب.
وأشار إلى أن تقلبات سعر صرف العملة تؤثر بشكل كبير على تكلفة مستلزمات الإنتاج الزراعي، مما يزيد من الأعباء على الفلاح.
وأكد أن التوازن مطلوب بين التصدير ودعم المزارعين، معربًا عن رفضه أن يكون تصدير الأسمدة أو التقاوي سببًا في نقص أو ارتفاع أسعارها داخل السوق المحلي.
اختتم الدكتور صلاح يوسف تصريحه بالتأكيد على أن الحل يكمن في إصلاح السياسات الزراعية والاقتصادية، وتقديم توجيه فعال بدلاً من الدعم غير المستدام، بما يضمن استقرار السوق وحماية المزارع وضمان الأمن الغذائي لمصر.