أكدت الدكتورة هاجر راشد، الباحثة بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أن الاختلاف المشروع بين الناس لا يُعد عيبًا أو خطأ، بل هو جزء من طبيعة البشر ورحمة وتيسير عليهم، موضحة أن المشكلة تبدأ عندما يتحول هذا الاختلاف من تنوع يغني العقول إلى تعصب يفرق القلوب ويزرع الكراهية.
وقالت راشد، خلال حلقة برنامج "فكر"، المذاع على قناة الناس، اليوم الجمعة: "الاختلاف سنة إلهية وطبيعة بشرية، وإدارته فن حضاري وعبادة ربانية، وإذا ألقينا نظرة على التراث الإسلامي سنجد نماذج راقية في إدارة الاختلاف، فالصحابة الكرام اختلفوا في بعض المسائل الفقهية، ومع ذلك لم يؤثر ذلك على المحبة بينهم، والإمام الشافعي لخص هذا المنهج بقوله: (رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب)، وهو ما يعبر عن المنهج الأزهري الوسطي القائم على احترام الرأي الآخر دون تعصب أو إقصاء".
وأضافت أن التعصب يُعد بداية للتطرف، حيث يبدأ بالانغلاق على رأي أو جماعة ثم ينتهي بالعنف وسفك الدماء، بينما الإسلام علمنا أن نكون وسطيين نستمع ونحاور وننتقد بأسلوب راقٍ بعيد عن التعصب أو تسفيه الآخرين، مؤكدة أن المتعصب لا يقبل الحوار ولا التعايش، ويقسم المجتمع إلى فرق متصارعة تتغذى بها بيئة التطرف.
وأشارت الباحثة بمرصد الأزهر إلى أن المتطرفين يستغلون التعصب لتشكيل بيئة نفسية مغلقة يسهل فيها تجنيد الأفراد، من خلال تعزيز مشاعر الانتماء لجماعة معينة، وتكريس فكرة أن "نحن الأفضل" وأن الآخر على ضلال، وهو ما يقود إلى تشويه صورة المخالفين واتهامهم بالخيانة أو الكفر، ومن ثم التحريض التدريجي على العنف ضدهم، بزعم أن الدين لا يُحفظ إلا بالقوة وأن الحوار وقبول الآخر غير مجدي.
وأضافت: "من المهم أن ندرك أن الخلاف سنة إلهية وحكمة ربانية، قال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)، وهذه الآية تخبرنا أن الاختلاف ابتلاء لاختبار العباد وتمحيص الحق".
واستطردت: "لمواجهة ذلك لا بد أولًا من معرفة طبيعة الخلاف المحمود وكيفية تحويله لخلاف إيجابي يثري المجتمع ويزيد المعرفة.. ثانيًا، التمييز بين الثوابت والمتغيرات، فالثوابت محل إجماع مثل أركان الإسلام والعقيدة والثوابت الوطنية، بينما المتغيرات محل اجتهاد مثل المسائل الفقهية والوسائل ووجهات النظر.. ثالثًا، النية الصالحة، بحيث يكون الهدف من الحوار الوصول إلى الحق لا الانتصار للنفس أو الجدال بالباطل، ولهذا حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على ترك المراء، وأخبرنا أن من ترك الجدال وهو محق بُني له بيت في ربض الجنة".