الخميس، 29 جمادى الأولى 1447 ، 20 نوفمبر 2025

د. محمود إبراهيم السيد يكتب.. علاقة منتجات الألبان كاملة الدسم بصحة القلب ومتلازمة التمثيل الغذائي

0
منتجات الألبان الحليب كامل الدسم اللبن كامل الدسم الجبن كامل الدسم صحة القلب صحة الأيض متلازمة التمثيل الغذائي الدهون المشبعة الوقاية من السمنة الوقاية من السكري ضغط الدم الكوليسترول الدهون الثلاثية السكتة الدماغية
أ أ
techno seeds
techno seeds
يعتبر اللبن غذاءً غنيًا بالعناصر الغذائية المهمة لصحة الإنسان، وبالرغم من قيمته الصحية والتغذوية فإن هناك مزاعم تم تداولها خلال العقود الماضية تقول بأن استهلاك منتجات الألبان كاملة الدسم يرتبط بتدهور صحة القلب والأيض (التمثيل الغذائي) داخل الجسم، وهي فكرة تُعزى غالبًا إلى إحتواء الألبان علي الدهون المشبعة.

ولكن مع تُقدم البحث العلمي وتطوره، ظهرت العديد الأبحاث المتخصصة والتي تشمل دراسات قائمة على الملاحظة والتجارب العشوائية المُحكمة (RCTs)، والتي قدمت أدلةً تدعم بشكل كبير التأثيرالإيجابي للألبان كاملة الدسم ومكوناتها النشطة بيولوجيًا على صحة القلب والأيض. هذا، وتتباين منتجات الألبان، ليس فقط في محتواها من الدهن، ولكن أيضًا في جوانب تركيبية أخرى سواء داخل أوبين المنتجات المُتخمّرة (مثل الألبان المتخمرة وبعض أنواع الجبن مثل الجبن القريش) وغير المُتخمّرة (مثل اللبن و الأجبان المختلفة وغيرها)، والتي قد تؤثر بشكل مُتفاوت على صحة القلب والأيض.

وقد أشارت العديد من الدراسات إلى أن منتجات الألبان، بغض النظر عن محتواها من الدهون أو تخميرها، ليست ضارة بصحة القلب والأيض، بل قد تحمي من بعض عوامل الخطر القلبية والأيضية.

ومع تعدد التوصيات الغذائية التي تشير إلى تجنب منتجات الألبان كاملة الدسم من أجل حماية القلب والنشاط الأيضي داخل جسم الإنسان، كان لزاما علينا أن نميط اللثام عن المعلومات الصحيحة في هذه النقطة الجوهرية، ليس من وجهة نظر خاصة ولكن طبقا لنتائج الدراسات العلمية المتخصصة والتي أجريت لتقييم تأثير منتجات الألبان على صحة القلب الأيض.

ولكن نظرا لضيق المقام والذي يصعب معه ذكر جميع الدراسات التي تمت في هذا الصدد فسوف نكتفي بذكر بعضها بإختصار لتعم الفائدة إن شاء الله.

- أولا علاقة إستهلاك منتجات الألبان بمتلازمة التمثيل الغذائي

متلازمة الأيض أو التمثيل الغذائي هي عبارة عن مجموعة من المشكلات التي تحدث معًا داخل الجسم وتزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية ومرض السكر من النوع الثاني.

وتشمل هذه المشكلات كلا من ارتفاع ضغط الدم ، زيادة مستوي الجلوكوز في الدم (مقاومة الإنسولين)، وزيادة نسبة دهون المتراكمة في الجسم وخاصة حول منطقة الخصر، وظهور مستويات غير طبيعية من الكوليستيرول و الدهون الثلاثية في الدم.

إحدي الدراسات التحليلية قامت بدراسة العلاقة ما بين زيادة استهلاك منتجات الألبان وخطر الإصابة بمتلازمة التمثيل الغذائي، وقد إعتمدت هذه الدراسة علي نتائج 7 دراسات مستقلة (شملت 24,217 شخصًا)، بالإضافة إلي 16 دراسة حالة وشواهد (شملت44,692 شخصًا).

وقد خلصت نتائج هذه الدراسة إلي وجود ارتباط إيجابي بين الزيادة في إجمالي استهلاك منتجات الألبان (بغض النظر عن نوع المنتج أو محتواه من الدهون) وإنخفاض خطر الإصابة بمتلازمة التمثيل الأيض بنسبة تتراوح بين 14% إلي 17%.

وأن كل حصة إضافية مقدارها 200 جرام يوميًا من منتجات الألبان ترتبط بإنخفاض خطر الإصابة بمتلازمة التمثيل الغذائي بنسبة 6%. وفي السياق ذاته، ذكرت دراسة تحليلية أخري لعدد 20 دراسة منفصلة ، (شملت 560869 شخصًا)، أن إستهلاك 200 جم يومياً من منتجات الألبان قد أدي إلي انخفاض خطر الإصابة بزيادة الوزن/السمنة، ارتفاع ضغط الدم، والإصابة بمرض السكر من النوع الثاني.

إضافة لذلك، ذكرت بعض الدراسات الأخري أن تناول كميات أكبر من منتجات الألبان كاملة الدسم يحمي من الاضطرابات الأيضية، وخلل مستوي دهون الدم (الدهون الثلاثية، الكوليسترول الكلي، الكوليسترول منخفض الكثافة)، وخطر الإصابة بمرض السمنة. 

ووفقا لنتائج دراسة علم الأوبئة الحضرية والريفية المستقبلية ، فإن تناول كميات أكبر (أكثر من حصتين يوميًا) من منتجات الألبان كاملة الدسم (وليس منتجات الألبان قليلة الدسم) يؤدي لإنخفاض خطر الإصابة بمتلازمة التمثيل الغذائي بنسبة 28%.

وعلي الرغم من إحدي الدراسات قد أوصت بعدم الإفراط في تناول الجبن عالية الدسم للأعمار فوق الخمسين لعدم الدخول في مقدمات مرض السكري، فإن دراسة أخري ذكرت أن تناول كميات كبيرة من الجبن منخفض الدسم قد تزامن مع انخفاض خطر الإصابة بمقدمات مرض السكري بنسبة 21%.

- ثانيا العلاقة بين تناول منتجات الألبان كاملة الدسم وخطر الإصابة بأمراض القلب

تُعدّ الاضطرابات المزمنة المرتبطة بالتغذية السبب الرئيسي للوفيات في جميع أنحاء العالم. وتُشكّل اضطرابات القلب الأيضية، بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية (CVD) ومرض السكر من النوع الثاني (T2D)، أحد أهم المشكلات الصحية العالمية، ووفقا للإحصائيات الأمريكية فإن 128 مليون و29 مليون بالغ أمريكي مصابون بهذين الاضطرابين.

وتشير التقديرات إلى أن إنتشار هذه الاضطرابات سيتفاقم بشكل كبير خلال السنوات القادمة. وتشير الزيادة الكبيرة في انتشار أمراض القلب والأوعية الدموية ومرض السكري من النوع الثاني إلى الحاجة الماسة للتدخلات المبكرة للمساعدة في الوقاية من هذه الاضطرابات المُنهكة للجسم و المجتمع. 

وفي الواقع، يُمكن منع حدوث حوالي 90% من حالات أمراض القلب والأوعية الدموية و مرض السكري من النوع الثاني من خلال إحداث تغييرات في نمط الحياة (مثل الأنماط الغذائية وممارسة الرياضية) وهذا يستهدف عوامل الخطر القابلة للتعديل مثل اضطراب مستوي الدهون في الدم وارتفاع ضغط الدم والسمنة ومقاومة الأنسولين.

وبالتالي، يُمكن أن يكون للنظم الغذائية الفعالة تأثير كبير في التحكم في معدلات حدوث اضطرابات القلب الأيضية. ونظرا لإحتواء منتجات الألبان كاملة الدسم علي بالعناصر الغذائية المهمة المركبات النشطة حيويا فإنها قد تُسهم في تحسين الصحة العامة للمستهلكين.

علي الرغم من التوصيات القديمة بالحد من تناول منتجات الألبان كاملة الدسم، والتي تستند إلى الرأي التاريخي القائل بأن منتجات الألبان غنية بالأحماض الدهنية المشبعة(SFAs) ، وأن تناول كميات كبيرة من الأحماض الدهنية المشبعة يرتبط بزيادة مستوي الكوليسترول منخفض الكثافة(LDL-C)  في الالجسم، وبالتالي زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

وهو ما دفع الكثير من الجهات والمؤسسات الطبية إلي دعوة المستهلكين إلي الحد من تناول منتجات الألبان كاملة الدسم بسبب محتواها العالي من الطاقة والأحماض الدهنية المشبعة وتماشيًا مع هذا المنظور.

وسوف نبين هنا مستدلين بالعديد من الدراسات الحديثة دي خطأ هذا المعتقد المتوارث والذي أدي إلي ظلم منتجات الألبان كاملة الدسم، بل وأدي إلي حرمان المستهلكين من فوائدها الكثيرة. فقد وجدت العديد من الدراسات الحديثة أن إستهلاك منتجات الألبان يحسن من صحة وسلامة القلب والأوعية الدموية.

علي سبيل المثال، ذكرت إحدي الدراسات الكندية سنة 2022 أن الأشخاص الذين يتناولون كميات كبيرة من منتجات الألبان هم أقل عرضه لمخاطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب التاجية، والسكتة الدماغية، بالمقارنة مع الأشخاص الذين يتناولون كميات قليلة من منتجات الألبان.

ويؤكد ذلك، ما ذكرته دراسة هولندية- بريطانية مشتركة، أن تناول 200 جرام من اللبن يوميا قد إرتبط بانخفاض خطر الإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة 8٪، وأنه لا توجد علاقة بين تناول منتجات الألبان المختلفة وخطر الإصابة بأمراض القلب التاجية. 

وفي السياق ذاته، أشارت نتائج دراسة علم الأوبئة الحضرية الريفية المستقبلية متعددة البلدان والتي تابعت 136000 شخصًا لمدة تجاوت 9 سنوات، إلى أن مخاطر الوفاة بأمراض القلب والأوعية الدموية، أو حدوث السكتة الدماغية، كانت أقل بشكل ملحوظ بين أولئك الذين يتناولون كميات أكبر من منتجات الألبان. 

وقد بينت إحدي الدراسات التحليلية والتي إشتملت علي 15 دراسة استشرافية من أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا ، وفيها تم متابعة المستهلكين لمدة 8 سنوات أو أكثر، أن تناول كميات أكبر من الجبن يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 10% ، وأمراض القلب التاجية بنسبة 14%، والسكتة الدماغية بنسبة 10%.

وعلي الرغم من أن معظم الدراسات الرصدية التي تُقيّم تأثيراستهلاك منتجات الألبان على صحة القلب والأوعية الدموية قد أُجريت على البالغين، إلا أن هناك دراسات أخرى بحثت هذه العلاقة لدى المراهقين والأطفال، وبما يتوافق مع الانتشار المتزايد لاضطرابات القلب والأوعية الدموية في هذه الشريحة السكانية.

ففي البرتغال، أجريت دراسة ميدانية لبحث تأثير تناول لبن الأبقار علي 494 طفلاً ومراهقاُ تتراوح أعمارهم ما بين 5 إلي 18 عاماً، وقد وجد إرتباطاً ما بين زيادة إجمالي تناول منتجات الألبان وانخفاض معدل انتشار السمنة، وخطر الإصابة بأمراض القلب والأيض.

أيضا، وجدت إحدي الدراسات الإستشرافية المعنية بتطور خطر الإصابة بأمراض الشريان التاجي لدى الشباب، والتي استمرت 20 عامًا، وكان عدد المشاركين 2774 شخص، تتراوح أعمارهم ما بين 18-30 عامًا، أن استهلاك منتجات الألبان لا علاقة له بارتفاع ضغط الدم.

وبالنظر إلى هذه النتائج مجتمعةً، نجد أن الأدلة الرصدية تؤكد أن زيادة تناول البالغين والأطفال لمنتجات الألبان خاصة منتجات الألبان المتخمرة يرتبط بانخفاض مخاطر الإصابة بالعديد من اضطرابات القلب والأيض أو أمراض القلب والأوعية الدموية.

من ناحية أخرى، وُجد أن إستهلاك منتجات الألبان، سواء الكاملة/ قليلة الدسم/الخالية من الدسم، يرتبط عكسيًا بتغيرات ضغط الدَّم الانقباضي (وإن كان التأثير أعلي قليلاً في حالة المنتجات منخفضة الدسم). وأن استهلاك منتجات الألبان، كجزء من نظام غذائي مغذٍّ ومتوازن الطاقة، يُفيد في ضبط ضغط الدَّم، ويمنع أو يُؤخر حدوث ارتفاع ضغط الدَّم.

وختاما فإن هذا المقال هو تحديثًا علميًا لتوضيح العلاقة بين إستهلاك منتجات الألبان كاملة الدسم و صحة القلب والميتابوليزم (الأيض) داخل جسم الإنسان.

فعلى الرغم من أن التوصيات أو الإرشادات الغذائية المشهورة والمتداولة عبر الأجيال  والتي كانت تدعو إلي الحد من تناول منتجات الألبان خاصة كاملة الدسم وذلك للحفاظ علي  صحة القلب والأيض، إلا أن الأدلة الحالية المستمدة من الدراسات الوبائية والتجارب العشوائية المُحكمة التي تهتم تحديدًا بمنتجات الألبان كاملة الدسم لا تدعم هذه الإرشادات بل تناقضها تماماً.

وأما عن المخاوف بشأن ارتفاع نسبة الأحماض الدهنية المشبعة قصيرة السلسلة في منتجات الألبان كاملة الدسم وإرتباطها بخطر الإصابة بالسمنة أو الأمراض القلبية الوعائية والنشاط الأيضي داخل الجسم ، فإن النتائج المتحصل عليها ختي الآن من الدراسات الميدانية أو التحليلية المتخصصة تنفي ذلك تماما، بل تؤكد دور منتجات الألبان في حماية الجسم من العديد من الأمراض خاصة الأمراض القلبية الوعائية والسكتات الدماغية و السمنة والسرطانو غيرها.

د. محمود إبراهيم السيد- أستاذ كيمياء الألبان المساعد- معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية
اشترك في قناة اجري نيوز على واتساب اشترك في قناة اجري نيوز على جوجل نيوز
icon

الأكثر قراءة