في الوقت الذي يشغل فيه مصطلح "البصمة الكربونية" العالم بأسره، ويؤكد العلماء على ضرورة تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، تبرز شجرة نخيل التمر كحليف بيئي استراتيجي لمصر والعالم في مواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري. فقد أظهرت الدراسات أن نخيل التمر لديه قدرة هائلة على امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتخزينه بفعالية ضمن كتلته الحيوية.
يقول الدكتور صلاح عبد العزيز، من المعمل المركزي لأبحاث وتطوير نخيل البلح بوزارة الزراعة، إن القطاع الزراعي بشكل عام يلعب دورًا حيويًا في تقليل تأثير الاحتباس الحراري، وذلك بامتصاص الغازات الدفيئة، وعلى رأسها ثاني أكسيد الكربون، عبر عملية التمثيل الضوئي. وكلما زادت المساحة الزراعية، زادت كمية الكربون التي يمكن امتصاصها من الجو.
نخلة التمر.. مصنع طبيعي لامتصاص الكربون:
تتميز شجرة نخيل التمر بكبر حجم وكثافة سعفها (الجريد)، حيث تنتج النخلة الواحدة البالغة حوالي 22 ورقة أو جريدة سنويًا. هذه الكمية الوفيرة من الأجزاء الخضراء تمكن النخلة من امتصاص كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون من الهواء. ونتيجة لعملية البناء الضوئي، يتراكم الكربون العضوي داخل الكتلة الحيوية للنخلة بأكملها، بما في ذلك الجذور والمجموع الخضري.
وأشار الدكتور صلاح عبد العزيز إلى تقدير كمية الكربون التي تحتجزها نخلة واحدة بعمر 10 سنوات بنحو 225.58 كيلوجرام من الكربون العضوي ضمن كتلتها الحيوية، بالإضافة إلى 92.91 كيلوجرام من الكربون في التربة المزروعة فيها النخلة.
مصر في صدارة الدول المنتجة للنخيل ودورها البيئي:
جدير بالذكر أن الدول العربية تحتل الصدارة عالميًا في زراعة نخيل التمر، وتأتي مصر في المقدمة بنحو 20 مليون نخلة منتجة تقريبًا، إضافة إلى 3 إلى 4 ملايين نخلة في أعمارها الأولى (أقل من خمس سنوات). هذا العدد الهائل من النخيل يساهم بشكل كبير في الجهود العالمية لمكافحة التغيرات المناخية.
ويضيف الدكتور صلاح أن 20 مليون نخلة، إذا كان عمرها عشر سنوات، تحتجز ما يقارب 4.5 مليون طن من الكربون العضوي. وكلما زاد عمر النخلة، زاد مخزونها من الكتلة الحيوية والكربون العضوي، مما يؤكد أهمية هذه الشجرة في احتجاز كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون، وبالتالي الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية.
مستقبل صديق للبيئة وموارد مستدامة:
ويشير الدكتور صلاح إلى أن التكنولوجيا الحديثة تعمل على منع تحرير كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وذلك باحتجازه أو التقاطه من مصادر حرق الوقود الأحفوري. ومن هنا، تبرز أهمية أشجار نخيل التمر كوسيلة طبيعية وفعالة لامتصاص وحجز وتخزين الكربون داخل الكتلة الحيوية وفي التربة أسفل منطقة الجذور، وبدون تكاليف باهظة مقارنة بتقنيات احتجاز الكربون الاصطناعية.
تأتي بعد ذلك المرحلة الهامة لاستخدام الكتلة الحيوية للنخيل في إنتاج صناعات نافعة، حيث تُستخدم لتصنيع الأخشاب، الورق، والأسمدة العضوية التي تضاف للأشجار، مما يغلق حلقة الاستدامة ويعزز الاقتصاد الأخضر.