أزمة الكلاب الضالة في مصر.. تعد الكلاب الضالة واحدة من أبرز المشكلات البيئية والصحية التي تواجه المدن والقرى في مصر، لما لها من تأثير مباشر على الصحة العامة وسلامة المواطنين ، إذ يمكن أن تكون مصدرًا للأمراض المعدية مثل داء الكلب وأمراض الجلد والطفيليات، بالإضافة إلى المخاطر الناجمة عن الاعتداءات والهجمات المفاجئة على الأفراد، خصوصًا الأطفال وكبار السن.
وتتفاقم المشكلة في ظل نقص البرامج الفعالة لإدارة الكلاب الضالة والتوعية المجتمعية، مما يجعل من الضروري دراسة هذه الظاهرة من منظور شامل، يتناول أسباب انتشارها، المخاطر الصحية والاجتماعية المرتبطة بها، والحلول الممكنة للحد منها.
وخلال هذه التقرير يرصد اجري نيوز أخر تطورات المشكلة في مصر ومناطق انتشارها الأكثر تأثيرًا، والجهود الحكومية والمجتمعية المبذولة لمواجهتها، مع التركيز على الإجراءات الوقائية التي تساهم في حماية المواطنين وتحسين مستوى السلامة العامة حيث حذر الدكتور شهاب الدين عثمان، رئيس جمعية الرفق بالحيوان، بالقاهرة , من تحول أزمة انتشار الكلاب الضالة في مصر إلى كارثة حقيقية تهدد التوازن البيئي وحياة المواطنين إذا لم تتدخل الدولة بشكل عاجل.

وقال عثمان في تصريحات خاصة لـ اجري نيوز إن عدد الكلاب الضالة في الشوارع المصرية تجاوز 40 مليون كلب، وهو رقم كبير جدًا يفوق قدرة الدولة على السيطرة عليه، مؤكدًا أن هذا الوضع لم يعد مجرد مشكلة، بل أصبح يشكل كارثة حقيقية تفوق قدرة المجتمع علي التحمل.
توازن مصر البيئي هو من 8 لـ 10 مليون كلب
وأضح رئيس جمعية الرفق بالحيوان أن التوازن البيئي الطبيعي في مصر أصبح مهددًا بشكل كبير، مشيرًا إلى أن التوازن البيئي الذي وضعه الله سبحانه وتعالى يحدد تعداد الحيوانات بما يتناسب مع الحياة، وهو ما تم اختلاله الآن بسبب الانتشار الكبير للكلاب الضالة حيث ان المعدل الطبيعي للتوازن البيئي في مصر هو من 8 لـ 10 مليون كلب ونحن وصلنا لـ 40 مليون كلب يهددون صحة واستقرار المجتمع وأشار الخبير البيطري إلى أن انتشار الكلاب الضالة في الشوارع لم يعد مجرد ظاهرة بيئية، بل أصبح استغلالًا من قبل بعض الأشخاص لمصالح شخصية موضحا أن هؤلاء يستغلون رحمة الناس ويحققون أرباحًا يومية ضخمة، قد تتجاوز أحيانًا 100 ألف جنيه ، من خلال التلاعب بالوضع دون أي مسؤولية تجاه المجتمع، مما يزيد من تفاقم الأزمة.

إهمال الدولة حول المشكلة لأزمة ثم تطورت وتحولت لكارثة
وحول دور الدولة، أكد عثمان أن توقف الدولة عن متابعة الملف بشكل فعال، وشل دور جهاز الطب البيطري، زاد من تفاقم الأزمة فمنذ 2011 وابتعاد الداخلية عن ممارسة دورها في الحفاظ علي البيئة كانت بمثابة الشرارة التي اشتعلت في الهشيم وذكر أن سابقًا كانت سيارات تابعة لوزارة الداخلية تنزل الشوارع لتطبيق السيطرة على الكلاب الضالة، وكان عليها رجال عسكريون للرقابة، دون قتل الكلاب بلا داعٍ لكن بعد أحداث 25 يناير، تم إيقاف استخدام الخرطوش، وانسحبت الدولة والدخلية من الموضوع، مما أدى إلى تفاقم الانتشار بشكل كبير.
وأشار رئيس جمعية الرفق بالحيوان إلى أن التعقيم كحل وحيد لم يحقق نتائج ملموسة، خاصة مع قدرة الكلبة الواحدة على الإنجاب بين 16 لـ 20 جروًا سنويًا، ما يؤدي إلى زيادة الأعداد بسرعة هائلة ،معقبا : أن استمرار التكاثر بهذه المعدلات سيضاعف المشكلة، وقد تتحول إلى كارثة حقيقية إذا لم يتم التحرك العاجل.
وأكد الخبير البيطري إلي أن العودة للطريقة التقليدية بالقضاء علي بعض الكلاب التي بها أمراض أو كبيرة في االسن أصبح ضرورة للحد من عمليات التكاثر .
المنتظمات تتربح من مثل هذه الأزمة
وحذر عثمان من استغلال الوضع من قبل بعض المنظمات المحلية ، التي تجمع الأموال على شكل تبرعات من الشعب وغيرة من المنظمات الدولية دون أي مساءلة أو شفافية، بينما الدولة تطبق قوانين صارمة على من يضر بالكلاب، وهو ما لا يعالج المشكلة الأساسية.
قال الدكتور محمد عفيفي سيف، الأمين العام الأسبق للنقابة العامة للأطباء البيطريين وخبير إدارة المخاطر البيولوجية، إن التقديرات تشير إلى وجود أكثر من 40 مليون كلب ضال في الشوارع المصرية، وهو ما يفوق بأكثر من ستة أضعاف الحد الأقصى المطلوب للحفاظ على التوازن البيئي.

تخلي الجهات الحكومية عن دورها فاقم الازمة في مصر والجمعيات هي الرابح الوحيد
وأوضح "سيف" خلال تصريحات خاصة لـ «اجري نيوز » أن هذه الزيادة الكبيرة في أعداد الكلاب بالشوارع ترجع إلى تخلي بعض الجهات الحكومية عن دورها في المكافحة بعد عام 2011، بجانب تفاقم أزمة القمامة وتراجع دور المحليات، فضلًا عن استغلال البعض لوجود الكلاب كمصدر للربح من خلال فيديوهات السوشيال ميديا أو جمع التبرعات المالية تحت مسمى «الإنقاذ والرفق بالحيوان».
إطعام الحيوانات السائبة مجرم في معظم دول العالم
وأشار الأمين العام الأسبق للنقابة العامة للأطباء البيطريين إلى أن ظاهرة إطعام الكلاب الضالة تعد من العوامل التي ساهمت في تفاقم المشكلة، لأنها تخالف قانون البيئة المصري وتؤدي إلى تغيير سلوك الحيوان، حيث تستوطن الكلاب المناطق السكنية وتهاجم المارة للدفاع عن مناطق نفوذها، مؤكدًا أن إطعام الحيوانات السائبة مجرم في معظم دول العالم لما يمثله من تدخل يخل بالتوازن البيئي الطبيعي.
مليون حالة عقر سنويًا
وأضاف "سيف" أن أعداد الكلاب المنتشرة في الشوارع المصرية تسببت في ارتفاع حالات العقر إلى أكثر من مليون حالة سنويًا وفقًا لبيانات وزارة الصحة، بعد أن كانت لا تتجاوز 30 ألف حالة في السابق.
تطبيق القانون هو الحل
وأكد الخبير البيطري أن قانون رقم 29 لسنة 2023 ولائحته التنفيذية رقم 1731 لسنة 2025 يمثلان إطارًا متكاملًا يمكن البناء عليه، إذ أعادا المسؤولية إلى الجهات المختصة وعلى رأسها وزارة التنمية المحلية، التي أصبحت مطالبة بتخصيص أراضٍ خارج الكتل السكنية لإقامة ملاجئ إيواء تُجمع فيها الكلاب الضالة.

وشدد "سيف" على ضرورة تجميع ما لا يقل عن 80% من الكلاب المنتشرة في الشوارع خلال المرحلة الأولى، لضمان نتائج سريعة في تقليل حالات العقر وطمأنة المواطنين، مشيرًا إلى أن داخل هذه الملاجئ يمكن فصل الذكور عن الإناث كبديل اقتصادي فعال عن عمليات التعقيم المكلفة التي تتجاوز ألف جنيه للحيوان الواحد.
أسباب زيادة أعداد الكلاب الضالة في مصر
وأوضح الأمين العام الأسبق للنقابة العامة للأطباء البيطريين أن الكلاب تلد مرتين سنويًا بمتوسط 8 جراء في كل مرة، ما يؤدي إلى تضاعف الأعداد بشكل متسارع، وبالتالي فإن الحل يكمن في إجراءات منظمة وسريعة، تشمل فصل السليم عن المريض والعقور، والتعامل الرحيم مع الحالات الخطرة وفقًا للمعايير الدولية المعتمدة في عدة دول مثل الولايات المتحدة.
التحصين والتعقيم مسكن وليس علاج للازمة
واختتم حديثه بالتأكيد على أن سياسة التحصين والتعقيم وإعادة الإطلاق ليست مناسبة للوضع المصري، لأنها تُطبق فقط في دول لا يتجاوز عدد الكلاب الضالة فيها بضعة آلاف، بينما تواجه مصر مشكلة مضاعفة بأعداد تصل إلى عشرات الملايين.



