قال الدكتور أحمد الرخ، الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف، إن معنى قوله تعالى، في الحديث القدسي: «من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه...»، هو أن العبد إذا أحبّه الله أصبح سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها، أي أنه لا يسمع ولا يرى ولا يفعل إلا ما يرضي الله تعالى، فيكون بذلك قد بلغ مقام القرب والمحبة الحقيقية.
وأوضح الرخ، خلال حلقة برنامج "مع الناس"، المذاع على قناة الناس، اليوم الأحد، أن هذا الأثر يترجم عمليًا إلى الاجتهاد في العبادة، كما قال الإمام الغزالي إن التصوف هو أن تدخل في العبادة بكليتك، وهذا مصداق لقوله تعالى: «واعبد ربك حتى يأتيك اليقين»، أي أن يظل العبد ملازمًا لعبادة الله حتى يأتيه الموت وهو على هذه الحالة من الطاعة والخضوع.
وأضاف أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف هذا المجاهد لنفسه في سبيل الله في قوله: «والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب».
وأشار إلى أن آثار التصوف تظهر على العبد من خلال الاجتهاد والدوام على الذكر والعبادات، كالصلاة والصيام والزكاة والاستغفار والتسبيح وقيام الليل، مستشهدًا بما كان عليه كبار الصوفية مثل أبي مسلم الخولاني الذي كان يؤدب نفسه إذا فتر عن قيام الليل، ويقول لنفسه: "والله لأزحفن بك زحفًا حتى يكون الكلل منك لا مني"، تعبيرًا عن مجاهدته لنفسه في طاعة الله.
وأضاف الأستاذ بجامعة الأزهر أن من يزِّي نفسه بزيّ الصوفية ثم تصدر عنه ممارسات مخالفة للفطرة أو الشريعة لا يُنسب فعله للتصوف، لأن التصوف الحقيقي هو الدخول في كل خلقٍ سني، والخروج من كل خلقٍ دني، أي الارتقاء بالأخلاق والتنزه عن القبيح والفساد والشرور.
وتابع قائلاً: "التصوف هو تطهير قبل التعطير، كما أنك لا تملأ الكوب بماء الورد قبل أن تغسله، فكذلك لا بد من تطهير النفس من الأخلاق الدنيئة قبل التحلي بالأخلاق السنية".
وأكد الدكتور أحمد الرخ، أن التصوف في حقيقته هو زبدة عمل العبد بأحكام الشريعة إذا خلا من العلل وحظوظ النفس، فليس فيه رياء ولا نفاق ولا سمعة، وإنما إخلاص لله تعالى وحده، وهذا ما أكده النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق»، فجمع بذلك بين العبادات والمعاملات والعقائد تحت مظلة الأخلاق، وهو جوهر التصوف الحق.
