عسل النحل من أقدم وأهم الأغذية الطبيعية التي عرفها الإنسان وقد اكتسب مكانة مميزة بفضل
تركيبته الغذائية الفريدة التي تضم السكريات البسيطة مثل الجلوكوز والفركتوز والإنزيمات
والأحماض الأمينية والمعادن والفيتامينات إضافة إلى مركبات حيوية ذات آثار صحية وعلاجية
تختلف نسبها تبعا للمصدر النباتي للرحيق.
ويعرف الرحيق بأنه إفراز مائي تنتجه الغدد
الرحيقية الزهرية أو غير الزهرية في بعض النباتات وتختلف مكوناته من سكريات وأحماض
عضوية وإنزيمات وبروتينات وزيوت طيارة تبعا لنوع النبات والبيئة حيث تقوم شغالات النحل
السارح بجمع الرحيق معالجته بإنزيمات خاصة في معدة العسل مما يؤدي إلى تكسير السكريات
الثنائية والمعقدة إلى سكريات أحادية سهلة الهضم ثم يخزن في العيون السداسية ويترك
حتى يكتمل نضجه ويختم بطبقة من الشمع ليصبح عسلا مكتمل الخصائص الغذائية والدوائية.
وخلال
عمليات فرز العسل و التخزين قد يتعرض العسل لبعض الظواهر الطبيعية مثل التبلور (التحبب)
أو التخمر مما يؤثر على قوامه أو مظهره الخارجي دون أن يدل بالضرورة على تدهور قيمته
الغذائية حيث يعتبر العسل محلول سكري فوق مشبع ما يجعله عرضة لانفصال جزء من السكريات
الذائبة عند انخفاض درجات الحرارة خاصة الجلوكوز على هيئة بلورات تؤدي إلى تحبب العسل
وتحوله إلى قوام شبه صلب وتعد هذه الظاهرة سلوكا طبيعيا مرتبطا بتركيب العسل وظروف
تخزينه وليست مؤشرا على فساده أو غشه.
وعلى
الرغم من أن بعض المستهلكين يفسرون هذه الظاهرة على أنها دليل فساد أو غش إلا أن التبلور
في حقيقته عملية فيزيائية طبيعية لا تنتقص من جودة العسل أو فوائده بل على العكس تعد
مؤشرا على نقاء العسل واحتوائه على مكوناته الطبيعية دون معاملات صناعية.
يهدف
هذا المقال إلى توضيح مفهوم تبلور العسل والعوامل التي تتحكم في حدوثه وسرعته والفرق
بينه وبين التخمر إضافة إلى مناقشة طرق معالجة التبلور وفلسفته كآلية طبيعية لحفظ العسل
من العوامل الخارجية.
مفهوم
التبلور وأسبابه
التبلور
بأنه تحول العسل من الحالة السائلة إلى صورة شبه صلبة أو حبيبية نتيجة طبيعته الفيزيائية
وهو تحول جزء من الجلوكوز الذائب في المحلول السكري للعسل إلى بلورات صلبة بينما يبقى
الفركتوز في صورة سائلة ويرتبط معدل التبلور بنسبة الجلوكوز إلى الفركتوز في العسل
فكلما ارتفعت نسبة الجلوكوز زادت سرعة التبلور. كما تلعب طبيعة الرحيق دورا مهما فعسل
عباد الشمس والخردل و القطن و الاثل يتبلوران بسرعة مقارنة بعسل البرسيم والذي
تبلور بسرعة بالمقارنة مع عسل السدر أو الموالح
الذي يظل سائلا لفترات أطول.
المصطلحات
المرتبطة بالتبلور (التبلور – التحبب – التسكر)
توجد
عدة مصطلحات يستخدمها المستهلكون والباحثون عند الحديث عن تغير قوام العسل ومنها:التبلور (Crystallization): وهو المصطلح العلمي الأدق والأكثر استخداما في الأبحاث ويصف عملية تكوين بلورات الجلوكوز داخل العسل.
التحبب (Granulation): يستخدم كمرادف للتبلور ويصف الشكل النهائي للعسل عندما يتحول إلى حبيبات دقيقة.
التسكر (Sugaring): يستخدم غالبا بشكل شعبي لوصف نفس الظاهرة عند المستهلكين خاصة عندما يأخذ العسل مظهرا يشبه السكر. وجميع هذه المصطلحات تشير إلى الظاهرة نفسها والفارق بينها لفظي فقط بينما المفهوم العلمي الموحد هو التبلور.

العوامل
التي تسرع من تبلور العسل
1. درجة
الحرارة: التخزين في درجات حرارة منخفضة معتدلة (حوالي 10–15°م) يسرع من عملية التبلور
بينما يبطئها التخزين عند درجات حرارة مرتفعة نسبيا (فوق 25°م) و أما التخزين في الثلاجة
(4–8°م) فيعد بيئة مثالية لتسريع التبلور بشكل ملحوظ.2. نسبة السكريات: العسل الغني بالجلوكوز يتبلور أسرع من العسل الغني بالفركتوز ولذلك فإن الأعسال الطبيعية التى لم يتغذي نحلها على محاليل سكرية من بداية مواسم النشاط تكون نسبة الفركتوز أعلي من الجلوكوز.
3. المحتوى المائي: إنخفاض الرطوبة يعزز التبلور بينما ارتفاعها قد يؤدي إلى التخمر بدلا من التبلور ولذك يجب الحفاظ على نسبة رطوبة بين 15-20 % .
4. وجود جسيمات دقيقة: مثل حبوب اللقاح وشمع النحل وحتى فقاعات الهواء إذ تعمل كنواة لتسريع تكوين البلورات.
5. المعالجة والتصفية: العسل غير المصفى جيدا يتبلور أسرع لاحتوائه على مكونات صلبة دقيقة.

طرق
معالجة التبلور
التسخين
اللطيف:
يمكن إعادة العسل المتبلور إلى حالته السائلة بوضع العبوة في حمام مائي دافئ
(35–40°م) مع التقليب الخفيف. يجب تجنب التسخين العالي لأنه يؤدي إلى تدهور الإنزيمات
وفقد المواد الحيوية.التخزين السليم:
يفضل حفظ العسل في عبوات محكمة الإغلاق عند درجة حرارة الغرفة (20–25°م) بعيدا عن أشعة الشمس المباشرة.التصفية الدقيقة:
إزالة الشوائب وحبوب اللقاح يقلل من فرص التبلور السريع.
فلسفة
التبلور كآلية لحماية العسل
تعتبر
عملية التبلور آلية طبيعية للحفاظ علي العسل من العوامل الخارجية فعندما يتبلور العسل
تقل درجة نشاطه المائي مما يعيق نمو الكائنات الدقيقة كما أن البلورات الصلبة تقلل
من نفاذية العسل وتأثره بالظروف البيئية المحيطة مثل الرطوبة والهواء وبذلك فإن التبلور
بدلا من اعتباره عيبا فهو وسيلة طبيعية يحقق بها العسل حماية ذاتية تسهم في إطالة عمره
التخزيني مع الاحتفاظ بجودته وخصائصه.ثانيا: تخمر عسل النحل: أسبابه وطرق الوقاية
يعتبرعسل
النحل من أكثر المنتجات الطبيعية مقاومة للتلف نظرا لاحتوائه على نسب عالية من
السكريات وانخفاض محتواه المائي إضافة إلى طبيعته الحمضية واحتوائه على مواد مضادة
للميكروبات ومع ذلك فقد يتعرض العسل في بعض الحالات إلي التخمر وهي إحدى المشكلات
الكبرى التي تؤثر على جودة العسل وقيمته الغذائية والتسويقية بل قد تسبب خسائر
اقتصادية للنحالين إذا لم يتم التحكم فيها.ما هو
تخمر العسل؟
التخمر هو
عملية حيوية تحدث نتيجة نمو بعض الخمائر التي تمكنها استغلال السكريات البسيطة
الموجودة في العسل وخاصة الجلوكوز والفركتوز وتحويلها إلى كحول و ثاني أكسيد الكربون
وهذه العملية تؤدي إلى زيادة الحموضة وظهور فقاعات غازية ورغوة على سطح العسل و مع
استمرار التخمر قد يظهر طعم لاذع غير مرغوب ورائحة تشبه الخل أو الكحول.
العوامل التى
تساعد علي تخمر العسل
1. ارتفاع
نسبة الرطوبة
العسل الطبيعي
الناضج يحتوي عادة من 15–20% ماء و إذا ارتفعت الرطوبة عن هذا الحد و خاصة فوق 21% يصبح العسل وسطا مناسباً لنمو الخمائر و السبب
غالباً يكون هو فرز العسل قبل تمام نضجه أو التخزين في ظروف رطوبة عالية.2. وجود
الخمائر الطبيعية
توجد
أنواع من الخمائر في البيئة وعلى سطح حبوب اللقاح والشمع و عندما يتوافر لها وسط
غني بالسكر مع ماء كافي تبدأ بالتكاثر وإحداث التخمر و يحدث ذلك عند عدم تصفية
العسل من بقايا الشمع اثناء الفرز و التعبئة.3. درجات
الحرارة
عند تخزين
العسل في درجات حرارة معتدلة (20–25°م) مع وجود رطوبة عالية يسرع ذلك من عملية
التخمر أما التخزين في درجات منخفضة جدا (أقل من 10°م) فيثبط نمو الخمائر ولكن
يسرع عملية تبلور العسل و لذلك لا يفضل وضع العسل في الثلاجة و الأفضل حفظه في مكان جاف
و مظلم وفي درجة حرارة معتدلة .4. طرق
الجمع والتخزين
من أسباب
تخمر العسل ايضاً استخدام أدوات ملوثة أو أوعية غير محكمة الإغلاق مما يعرضة لدخول
مياه و تخزين العسل في بيئة رطبة.مؤشرات و
علامات تخمر العسل
ظهور
فقاعات غازية على السطح و خروج رغوة خفيفة أو كثيفة حسب شدة التخمر و تغير الطعم
إلى حامض أو كحولي و في بعض الحالات المتقدمة يصبح العسل سائلا أكثر بفعل تحلل
السكريات.الأضرار
الناتجة عن التخمر
فقدان
القيمة الغذائية نتيجة تحلل السكريات الأساسية و انخفاض القيمة التسويقية حيث يرفض
المستهلك العسل المتخمر مما يسبب خسائر اقتصادية للنحالين و في بعض الحالات قد
يؤدي الاستهلاك المفرط للعسل المتخمر إلى مشاكل هضمية.
طرق
الوقاية من تخمر العسل
أولا أثناء الجمع والفرز يجب عدم
استخراج و فرز أقراص العسل إلا بعد نضجها بحيث يختم بالشمع ما لا يقل عن 75% من
العيون السداسية لأقراص العسل و استخدام أدوات نظيفة و جافة.ثانياً أثناء التخزين يتم حفظ العسل في أوعية زجاجية أو بلاستيكية محكمة الغلق مع تجنب التخزين في أماكن ذات رطبة عالية.
ثالثاً أثناء التسويق عند إنتاج كميات كبيرة و إعدادها للتسيوق يفضل عمل تحليل للعسل للتأكد من مطابقته للمواصفات مع توعية المستهلك بأن العسل الطبيعي قد يتعرض للتخمر في حال سوء التخزين.
طرق
معالجة العسل المتخمر
الترشيح والتسخين المعتدل عند (45–50°م) لمدة نصف ساعة الي ساعة في أوعية في حمام مائي
ثم التبريد السريع لقتل الخمائر و يفضل استخدامه في الصناعات الغذائية كالحلويات والمخبوزات لتقليل الخسائر بدلا من التخلص منه.ولذك إن تخمر العسل من أبرز المشكلات التي يواجهها النحال والمستهلك وهو يرتبط غالبا بارتفاع الرطوبة وسوء التخزين ومن خلال الالتزام بالممارسات الجيدة في توقيت فرز العسل و التعبئة والتخزين يمكن تقليل هذه المشكلة إلى أقل ما يمكن.
ويجب التأكيد أن العسل المتخمر ليس دليلا على غشه وإنما هو نتيجة لظروف غير مناسبة سمحت للخمائر بالنمو وان والوعي بهذه الظاهرة و اسبابها و طرق تلافيها يعد خطوة أساسية للحفاظ على جودة العسل وسمعته في الأسواق المحلية أوالعالمية.
و ختاماً فإن تبلور العسل ظاهرة طبيعية ناتجة عن عوامل فيزيائية وكيميائية متعددة مثل درجة الحرارة ونسبة السكريات ووجود الجسيمات الدقيقة وعلى عكس المفهوم الخاطئ لدى بعض المستهلكين فإن التبلور ليس مؤشراً على فساد العسل أو غشه بل يعد دليلاً على نقائه كما يمثل إحدى آليات الحفاظ على خصائصه وجودته. وللتعامل معه يكفي تسخين العسل فى وعاء فى حمام مائي بلطف أو ضبط ظروف التخزين فى مكان جاف.
أما تخمر العسل فهو يشير إلى خلل في ظروف فرز العسل أو تخزينه خصوصاً عند ارتفاع الرطوبة مما يساعد الخمائر على النمو والتسبب في فقدان القيمة الغذائية والتسويقية.
وعليه فإن التبلور والتخمر يجب أن يفهما في إطار علمي صحيح بعيداً عن المفاهيم الخاطئة و إن رفع وعي المستهلك والنحال معاً بكيفية التعامل مع هذه الظواهر يضمن الحفاظ على القيمة الغذائية والتجارية للعسل ويعزز مكانته كغذاء وعلاج فريد لا مثيل له.
د/ محمود محمد حسين الكيلاني
باحث بقسم وقاية النبات– مركز بحوث الصحراء