أ
أ
في عالم يزداد فيه الطلب على الغذاء يومًا بعد يوم، يصبح تحقيق الأمن الغذائي مع الحفاظ على استدامة الموارد الطبيعية تحديًا عالميًا ملحًّا, لم يعد يكفي زيادة الإنتاج فقط، بل أصبح من الضروري البحث عن حلول ذكية تقلل الهدر، تحافظ على البيئة، وتضمن صحة الحيوان وجودة الغذاء. هنا يأتي دور الإنزيمات في الأعلاف، تلك المفاتيح الصغيرة التي أحدثت تحولًا كبيرًا في صناعة الإنتاج الحيواني.
فهي لا تعزز كفاءة التغذية فحسب، بل تفتح الباب أمام مستقبل زراعي أكثر استدامة، يوازن بين احتياجات الإنسان ومتطلبات الطبيعة.
ما هي الإنزيمات؟
الإنزيمات بروتينات طبيعية تنتجها الكائنات الحية لتسريع التفاعلات الكيميائية داخل الجسم. فهي أشبه بالمحفزات الذكية التي تساعد على تكسير الطعام إلى مكونات أصغر وأكثر قابلية للامتصاص، دون أن تتغير هي نفسها أثناء العملية. هذه الخاصية جعلت الإنزيمات مفتاحًا رئيسيًا لفهم وتحسين الهضم، ليس فقط في الإنسان، ولكن أيضًا في الحيوانات التي نعتمد عليها في إنتاج الغذاء.
لماذا الإنزيمات في الأعلاف؟
يواجه قطاع الإنتاج الحيواني تحديات متزايدة مع ارتفاع الطلب العالمي على اللحوم، الحليب، والبيض. المزارعون بحاجة إلى حلول تقلل التكلفة وتزيد الكفاءة دون الإضرار بصحة الحيوان أو البيئة. هنا يظهر دور الإنزيمات، إذ تعمل كـ أداة حديثة لتطوير العلف، ترفع من قيمته الغذائية، تقلل الهدر، وتدعم صحة الحيوان، مما يحوّل الزراعة إلى نشاط أكثر استدامة وربحية.
كيف تعمل الإنزيمات داخل العلف؟
تخيل أن العلف صندوق مليء بالعناصر الغذائية، لكنه مغلق بإحكام. الإنزيمات هي المفاتيح التي تفتح هذا الصندوق، وتحرر الطاقة والبروتين والمعادن المخزنة بداخله.
معدات زراعية حديثةتحرر الإنزيمات العناصر الغذائية العالقة داخل جدران الخلايا النباتية، مما يزيد من الاستفادة من الحبوب والبقوليات، وبالتالي نمو أسرع وصحة أفضل.
في الأبقار والمجترات:
تساعد الإنزيمات المتخصصة في تكسير الألياف على تحسين هضم الأعلاف الخشنة مثل التبن والسيلاج، فتزيد إنتاجية الحليب واللحم.في الأسماك والجمبري:
تجعل الأعلاف النباتية أكثر سهولة للهضم، مما يدعم استدامة الاستزراع السمكي ويقلل الاعتماد على المكونات البحرية.الفوائد على عدة مستويات
على مستوى الحيوان: نمو أسرع، عظام أقوى، جهاز هضمي أكثر صحة، ومناعة أفضل.على مستوى المزارع: خفض التكاليف بفضل تقليل الاعتماد على مكونات غالية الثمن أو مكملات إضافية.
على مستوى البيئة: تقليل الفضلات والملوثات الناتجة عن الفوسفور والنيتروجين، مما يجعل النشاط الزراعي أكثر صداقة للطبيعة.
على مستوى الإنتاج: مرونة أكبر في اختيار مكونات الأعلاف والتكيف مع تغيرها حسب المواسم أو الموارد المتاحة.
مستقبل الإنزيمات في الأعلاف
الأبحاث العلمية لا تتوقف عن اكتشاف المزيد من إمكانات الإنزيمات. فهناك إنزيمات تُطوَّر لتناسب نوعًا محددًا من الحيوانات أو تركيبة معينة من الأعلاف، وأخرى تُدمج في خلطات مدروسة لتحقيق أفضل النتائج. كما بدأت الدراسات في استكشاف دور الإنزيمات في تقوية جهاز المناعة وتحسين الصحة العامة للحيوان، لتصبح أكثر من مجرد عامل مساعد على الهضم، بل عنصرًا أساسيًا في منظومة الإنتاج الحيواني الحديث.

و في النهايه يمكن القول ان الإنزيمات لم تعد مجرد إضافة ثانوية للأعلاف، بل تحولت إلى ثورة خضراء في عالم التغذية الحيوانية. فهي تزيد من كفاءة الاستفادة من الموارد الطبيعية، تقلل التكاليف، وتحافظ على صحة الحيوان والبيئة في آن واحد.
ومع استمرار التطور العلمي، يُتوقع أن تلعب الإنزيمات دورًا محوريًا في تلبية احتياجات العالم المتزايدة من الغذاء، لتقود الزراعة نحو مستقبل أكثر استدامة وربحية.
ا.د/ محمد الشربيني
استاذ تغذية الحيوان و الدواجن
مدير المركز الاقليمي للاغذيه و الاعلاف