أ
أ
كانت مصر في عصور ما قبل التاريخ واحة غنية بالحياة البرية، مما جعلها "جنة للصيادين". ومع تطور الحضارة المصرية وتوسع الأراضي الزراعية، تغيرت طبيعة الصيد من نشاط ضروري لتأمين الغذاء إلى رياضة ملكية ووسيلة لكسب العيش، لا تخلو من المخاطر الجسيمة التي كانت تتحدى حتى أمهر الصيادين.
مصر القديمة: موطن لوفرة الحيوانات البرية
في بداية الاستيطان البشري، كانت حواف وادي النيل والوديان الجانبية غابات كثيفة تعج بالفيلة والزرافات والأسود ووحيد القرن والخنازير البرية، بالإضافة إلى مجموعة واسيرة من الظباء والغزلان والوعول والنعام البربري. النيل نفسه كان يزخر بالأسماك والتماسيح وأفراس النهر. هذه الوفرة جعلت الصيد جزءًا أساسيًا من حياة المصريين الأوائل.ولكن، مع التوسع الزراعي واستنزاف الأراضي الرطبة خلال الأسرات الثلاث الأولى، بدأت أعداد الحيوانات الأكبر في الانحسار والتوجه نحو الصحراء. يشير موقع القصور الملكية في ممفيس، عاصمة المملكة القديمة، إلى أن الصيد تحول ليتم بشكل رئيسي في السهول الشاسعة خلف منطقة الأهرامات.
صيد الملوك والأرستقراطيين: متعة ومهارة
كان الصيد نشاطًا ذا أهمية كبيرة للطبقات العليا في مصر القديمة. كان الفراعنة يوظفون "سيدًا للصيد" لمرافقتهم، بالإضافة إلى فرقة كاملة من المساعدين.كانت الأهداف الشائعة للصيد الملكي تشمل الغزلان والظباء والوعول والأغنام البربرية والنعام. أما مطاردة الحيوانات المفترسة كالضباع والأسود والنمور، فكانت تتطلب مهارة وشجاعة استثنائية. كانت الضباع منتشرة في الصحراء، بينما الأسود، التي تظهر بكثرة في فن المملكة القديمة، كانت لا تزال موجودة بأعداد لا بأس بها، أما النمور فكانت أقل شيوعًا.
مارس الأرستقراطيون الصيد كرياضة في المملكتين القديمة والوسطى، حيث كانوا يستخدمون الحراب وهم يقفون في قواربهم المصنوعة من البردي. ومع حلول عصر المملكة الجديدة، تغيرت الأساليب، وأصبح النبلاء يفضلون الصيد بأسلوب أكثر استرخاءً، حيث تُظهر النقوش صورًا لهم وهم يجلسون في كراسي بجانب برك الحدائق، يستخدمون العصي والخطافات.
الصيد الاقتصادي: مصدر رزق محفوف بالمخاطر
بعيدًا عن رفاهية الطبقة الحاكمة، استمر الصيد كنشاط اقتصادي حيوي يقوم به المتخصصون على طول نهر النيل وقنواته، وفي بحيرة موريس بالفيوم.يبدو أن هذا النوع من الصيد كان ذا أهمية خاصة خلال عصر الدولة الوسطى، حيث تظهر مستنقعات سقارة صيادين بأسلحتهم، يجلسون في قواربهم البردية بانتظار صيدهم.
لم يخلُ الصيد الاقتصادي من المخاطر الجسيمة. فقد كان الصيادون يواجهون حيوانات مفترسة مثل التماسيح وأفراس النهر في النيل. ويوضح "تعليم خيتي" هذه المخاطر بشكل درامي، واصفًا الصياد الذي يغامر في النهر المليء بالتماسيح دون التفكير في الخطر الذي يحدق به، مشيرًا إلى أن انقلاب القارب قد يعني الموت المحقق. كما كانت هناك أنواع خطيرة من الأسماك، مثل سمك السلور السام الذي كان يُخشى حتى من قبل التماسيح، وفقًا لسترابو.
تنوع الأهداف واستخدام الكلاب المدربة
تركزت الحياة البرية حول النيل، وشمل الصيد مجموعة واسعة من الحيوانات. فبالإضافة إلى الطيور والأسماك التي كانت تُصاد في الدلتا، كانت المناطق الصحراوية موطنًا لحيوانات مثل الغزلان والأرانب والثعالب الحمراء والضباع. حتى النعام كانت تُصاد من أجل ريشها، والقطط الكبيرة كالنمور من أجل جلودها.استخدم المصريون القدماء كلاب الصيد المدربة ببراعة في مطاردة الغزلان والأرانب البرية والظباء، وحتى الأسود في بعض الأحيان. واللافت أن أصول بعض سلالات الكلاب المدربة الموجودة اليوم تعود إلى تلك الكلاب المصرية القديمة.
كانت حملات الصيد، خاصة تلك التي يشارك فيها الملك، تتخذ أحيانًا طابعًا عسكريًا، حيث كان الجنود يرتدون عتادهم الكامل، ويقود الملك مركبته الحربية. وقد ذهب تحتمس الثالث، على سبيل المثال، في حملة صيد فيل بالقرب من ني في وادي الفرات، واصفًا نفسه في لوحة نبتة بأنه واجه أكبر الأفيال.
الدكتور احمد جلال عميد كلية الزراعة جامعة عين شمس السابق