بالصدفة البحتة، وجدت نفسي أتجول بين محطات الفضائيات، سعيًا للهروب من طوفان الأخبار السلبية، علّني أجد ملاذي في فيلم تافه أو مسلسل أكثر تفاهة من الواقع، أو حتى أغنية ركيكة من أغنيات توافه المطربين.
وفجأة، تُعرض إحدى القنوات الفضائية فيلمًا لا أروع من أفلام العبقري أحمد زكي: "معالي الوزير".
هذا الفيلم الذي يحاكي شخصية "وزير الصدفة"، ذلك الذي جاء إلى المنصب بعد اعتذار وزير آخر عن تولي الحقيبة. ومع مشاهدتي الأولى للفيلم، وجدتني منجذبًا بلهفة وشوق لمشاهدته حتى نهايته، رغم أنني رأيته مرارًا وتكرارًا ربما هذا الانجذاب يرتبط بواقع عاصرته في الماضي أو أعاصره الآن، ومفاده أن بعض الوزراء يتيقنون أن المنصب أكبر بكثير من إمكانياتهم الفنية والفكرية (إن وُجدت).
إنهم يدركون أن الصدفة أو الظرف السياسي الاستثنائي هو من دفع بهم إلى بحر الحكومة، فأصبحوا محط الأنظار، يجتمعون وينظرون ويدعون المعرفة ويتغنون بماضيهم رغم ضحالته. ورغم أنهم يعون تمامًا أنهم يعيشون في أكذوبة تشبه الحلم – كالأحلام أو الكوابيس التي جسدها المبدع أحمد زكي في شخصية رأفت رستم أو "معالي الوزير" – إلا أنهم يرفضون بشدة الاعتراف بأنه مجرد حلم أو كابوس لا علاقة له بالواقع.
فـ"رأفت رستم"، أو "وزير الصدفة"، كان له ظل دائم أو سكرتير خاص وظيفته تحقيق رغباته, حتى في لحظة الصدق مع النفس والاعتراف بأنه بحاجة إلى طبيب نفسي، وافق أن يعرض نفسه على الطبيب بشرط أن يقوم السكرتير بدور المريض. ووافق السكرتير ممتنًا لوزيره على هذه الثقة، ليفاجئه "وزير الصدفة" بأنها ليست ثقة، بل لعدم وجود بديل .
ربما تلك الحالة الإبداعية – نصًا وتمثيلًا وإخراجًا – تحاكي فترة مضت، ولكن عبقرية الفن تجعله صالحًا لأزمنة مستقبلية، قصيرة كانت أو بعيدة. ما أكثر "رأفت رستم" في حياتنا السياسية، وما أروع الفن في تجسيد الواقع والتمرد عليه.
المهندس محمود عطا
استشارى الادراة المركزية لوزراة الزراعة