تعد أسماك التونة واحدة من أكثر الأسماك انتشارًا على موائد العالم، فهي ليست مجرد صنف غذائي متوفر في الأسواق، بل جزء أساسي من ثقافة الأكل لدى شعوب كثيرة، ومحور مهم في اقتصاديات الصيد والصناعات الغذائية في عدد من الدول الساحلية.
ما يميز التونة حقًا هو أنها تجمع بين القيمة الغذائية العالية والطعم اللذيذ وسهولة التحضير، إضافة إلى إمكانية حفظها بطرق متعددة مثل التعليب والتجميد وكذلك التدخين؛ وهو ما يجعلها خيارًا متاحًا طوال العام، بعيدًا عن تعقيدات المواسم أو صعوبات النقل.
ولا تتوقف أهمية التونة عند انتشارها أو كثرة استخداماتها، بل تمتد إلى كونها غذاءً مناسبًا لفئات مختلفة من المستهلكين؛ فهي خيار مفضل للرياضيين نظرًا لغناها بالبروتين، ولمن يعانون من أمراض القلب بسبب محتواها من الدهون الصحية، وحتى لمن يبحثون عن وجبة خفيفة وسريعة في الوقت نفسه.
كما أن تنوع أنواع التونة يمنحها ميزة إضافية؛ فالتونة الخفيفة Skipjack هي الأكثر استخدامًا في التعليب، بينما تتميز تونة Albacore بلحمها الفاتح ونكهتها المعتدلة، أما التونة الصفراء Yellowfin والتونة الزرقاء Bluefin فهما الأشهر عالميًا في المطابخ الراقية، خاصة في السوشي والأطباق اليابانية.
هذا التنوع، إلى جانب قابيليتها الكبيرة في الطهي وتعدد طرق الاستفادة منها، جعل التونة من أكثر الأسماك طلبًا عالميًا، وعنصرًا يصعب الاستغناء عنه سواء في البيوت أو في المصانع أو حتى في المطاعم. ولذلك تعد دراسة التونة والتعرف إلى مزاياها وطرق استخدامها أمرًا مهمًا، ليس فقط على مستوى الصحة، بل أيضًا على مستوى الاقتصاد وسلاسل الغذاء حول العالم.
القيمة الغذائية والصحية لأسماك التونة
البروتين
تعتبر أسماك التونة من أكثر أنواع الأسماك فائدة من الناحية الغذائية، فهي غنية بالبروتين عالي الجودة وقليل الدهون، ما يجعلها غذاءً متكاملاً للرياضيين والأشخاص الراغبين في الحفاظ على وزن صحي. يحتوي كل 100 جرام من التونة على نحو 23–29 جرامًا من البروتين، وهو بروتين كامل يحتوي على جميع الأحماض الأمينية الأساسية التي يحتاجها الجسم لبناء العضلات وتجديد الأنسجة، بالإضافة إلى دوره في تعزيز المناعة ودعم الطاقة اليومية.الدهون
تحتوي التونة على دهون صحية وخاصة أحماض أوميجا-3 الدهنية، وهي من أهم العناصر التي تساهم في حماية القلب والأوعية الدموية، حيث تساعد على خفض مستويات الدهون الثلاثية، وتحسين مرونة الشرايين، والحد من الالتهابات المزمنة في الجسم. كما تلعب أحماض أوميجا-3 دورًا مهمًا في تعزيز وظائف الدماغ، وتحسين الذاكرة والتركيز، وتقليل مخاطر الإصابة ببعض الأمراض العصبية المرتبطة بالشيخوخة.الفيتامينات
أما من حيث الفيتامينات، فتحتوي التونة على مجموعة واسعة من الفيتامينات الضرورية لصحة الجسم، إذ تعد مصدرًا غنيًا بفيتامين B12 الذي يدعم تكوين خلايا الدم الحمراء ويعزز صحة الأعصاب، بالإضافة إلى فيتامين B6 الذي يساهم في التمثيل الغذائي للبروتينات والدهون والكربوهيدرات. كما توفر التونة كمية جيدة من النياسين (B3) الذي يحسن صحة الجهاز العصبي ويساعد في خفض الكولسترول الضار، فضلًا عن احتوائها على فيتامين D الضروري لصحة العظام والأسنان ودعم جهاز المناعة.
المعادن
تعد التونة مصدرًا مهمًا لعدد من العناصر الضرورية للجسم، إذ تحتوي على السيلينيوم الذي يعمل كمضاد أكسدة قوي يساعد في حماية الخلايا من التلف، واليود اللازم لوظائف الغدة الدرقية مما يساهم في تنظيم عمليات الأيض والطاقة. كما توفر التونة الفوسفور والبوتاسيوم اللذين يلعبان دورًا مهمًا في الحفاظ على توازن السوائل في الجسم وتعزيز صحة العضلات والعظام.
بالإضافة إلى الفوائد الصحية للعناصر الغذائية السابقة ، تعد التونة مفيدة أيضًا في تقوية العضلات والمساعدة في التعافي بعد التمارين الرياضية، بالإضافة إلى دورها في السيطرة على الوزن، إذ تمنح شعورًا بالشبع لفترة أطول بفضل محتواها العالي من البروتين وقلة الدهون فيها.
ومن المهم الانتباه إلى نوع التونة وكميتها، إذ أن بعض الأنواع الكبيرة مثل التونة الزرقاء قد تحتوي على نسب أعلى من الزئبق، لذلك يوصى للحوامل والأطفال باختيار الأنواع الخفيفة ، وتجنب الإفراط في تناول التونة المعلبة عالية الصوديوم للحفاظ على صحة القلب وضغط الدم.
مخاطر استهلاك التونة
رغم الفوائد الكبيرة لأسماك التونة، إلا أن الإفراط في تناولها أو اختيار الأنواع غير المناسبة قد يحمل بعض المخاطر الصحية. أحد أبرز هذه المخاطر هو تراكم عنصر الزئبق في جسم الإنسان، خصوصًا عند تناول التونة الكبيرة مثل التونة الزرقاء أو التونة البيضاء (Albacore)، إذ يحتوي لحم هذه الأسماك على مستويات أعلى من الزئبق مقارنة بالأنواع الأصغر مثل التونة الخفيفة (Skipjack).
و يعرف الزئبق بأنه معدن ثقيل يمكن أن يؤثر سلبًا على الجهاز العصبي، وخاصة لدى الحوامل، الأطفال، والرضع، حيث يمكن أن يعيق نمو الدماغ والجهاز العصبي لديهم.
بالإضافة إلى ذلك، تحتوي بعض أنواع التونة المعلبة على مستويات مرتفعة من الصوديوم، والذي قد يرفع ضغط الدم عند الإفراط في تناولها، ويزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب أو احتباس السوائل لدى بعض الأشخاص. كما أن طريقة التحضير والحفظ لبعض المنتجات المعلبة قد تؤثر على القيمة الغذائية للتونة، خصوصًا إذا كانت معلبة بزيوت غير صحية أو صلصات غنية بالدهون والسكريات.
لذلك ينصح بالاعتدال في استهلاك التونة، والحرص على اختيار الأنواع الخفيفة المنخفضة في محتواها من عنصر الزئبق، والابتعاد عن الإفراط في تناول التونة المعلبة عالية الصوديوم. كما يفضل تنويع مصادر البروتين البحرية من الأسماك الأخرى لتقليل المخاطر مع الاستفادة من الفوائد الغذائية.
اعداد ا.د/ عاطف سعد عشيبة
وكيل معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية – مركز البحوث الزراعية



