في عالم البحوث الطبية، تُعتبر الفئران المخبرية أداة لا غنى عنها لتطوير العلاجات المنقذة للحياة، هذه الكائنات الصغيرة، التي غالباً ما نربطها بالأمراض والقذارة، أصبحت في الواقع أهم حلفاء البشرية في مكافحة الأمراض المستعصية.

لماذا الفئران بالذات؟

يعود اختيار الفئران كنموذج بحثي إلى عدة أسباب علمية مقنعة:

- تتشارك مع البشر في 97% من الجينات
- تمتلك أجهزة مناعية مشابهة للإنسان
- تتميز بدورة حياة قصيرة تسمح بدراسة الأمراض عبر أجيال متعددة
- صغيرة الحجم وسهلة التكاثر ورخيصة التكلفة مقارنة بحيوانات أخرى

إسهامات غير عادية في الطب الحديث

لقد ساهمت الفئران في أهم الاكتشافات الطبية خلال القرن الماضي. فعلى سبيل المثال، كانت الفئران حاسمة في تطوير علاج الأنسولين لمرضى السكري، حيث تم اختبار فعالية الهرمون عليها أولاً قبل استخدامه مع البشر، كما لعبت دوراً محورياً في تطوير علاجات السرطان، حيث يتم زرع الأورام البشرية في أجسامها لاختبار فعالية الأدوية الجديدة.

وفي مجال اللقاحات، تعتبر الفئران خط الدفاع الأول. كل لقاح نستخدمه اليوم، من لقاحات الطفولة إلى لقاحات الإنفلونزا الموسمية، مر أولاً بمرحلة الاختبار على الفئران للتأكد من فعاليته وسلامته. خلال جائحة كوفيد-19، كانت الفئران العامل الحاسم الذي سمح بتطوير اللقاحات في وقت قياسي، حيث تم استخدامها لاختبار الاستجابة المناعية وتحديد الجرعات المناسبة.

التحديات الأخلاقية

رغم الفوائد الجمة، تثير التجارب على الفئران جدلاً أخلاقياً متزايداً. يعاني ملايين الفئران سنوياً من الألم والضيق في المختبرات، وغالباً ما يتم التضحية بها بعد انتهاء التجارب. هذا دفع العديد من المنظمات إلى الدعوة لتطوير بدائل مثل:

- النماذج الحاسوبية المتقدمة
- زراعة الأنسجة في المختبر
- استخدام البكتيريا أو الخمائر في بعض الأبحاث

المستقبل والبدائل

يعمل العلماء حالياً على تطوير تقنيات قد تقلل الاعتماد على الفئران في المستقبل. ومع ذلك، يقر معظم الباحثين أن الفئران ستظل ضرورية للعديد من السنوات القادمة، خاصة في مجالات مثل:
- دراسة الأمراض المعقدة
- اختبار الأدوية الجديدة
- تطوير العلاجات الجينية

ختاماً، بينما نستفيد من التضحيات التي تقدمها هذه الكائنات الصغيرة، يتحتم علينا أن نتعامل معها باحترام ومسؤولية، ونستثمر في تطوير بدائل أكثر إنسانية كلما أمكن ذلك، والفئران قد تكون صغيرة الحجم، لكن إسهاماتها في إنقاذ الأرواح البشرية ضخمة ولا يمكن إنكارها.