أكد الدكتور عبد الراضي عبد المحسن، عميد كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، أن العلاقة بين العقل والنقل في الإسلام ليست علاقة تصادم، بل علاقة تكامل تام، مشبّهًا إياها بوجهي العملة الواحدة، لا تستقيم قيمتها أو حقيقتها إذا اقتُطع أحد وجهيها.
وأوضح عميد كلية دار العلوم بجامعة القاهرة سابقا، خلال حلقة برنامج "مع الناس"، المذاع على قناة الناس، اليوم الثلاثاء، أن هذه الرؤية التكاملية بين العقل والنقل قد جذّرها الفلاسفة المسلمون الكبار، وعلى رأسهم فقيه قرطبة وفيلسوفها ابن رشد، الذي وصف العقل والنقل بأنهما "توأمان للحقيقة"، ارتضعا من مصدر واحد، هو الوحي الإلهي، الذي أوحى بالقرآن والسنة، وخلق العقل البشري لفهمهما وتنفيذ مرادهما.
وأشار إلى أن الله تعالى منح الإنسان ثلاث وسائل عظيمة ليمارس دوره في عمارة الأرض وتحقيق الخلافة، أولها: الوحي الإلهي المحفوظ الذي أجاب على الأسئلة الكبرى "ما الله؟ ما العالم؟ ما الإنسان؟"، وثانيها: العقل، الذي يعي مراد الوحي ويدفع الإنسان إلى طاعته، وثالثها: الحرية والإرادة التي تُفعل الاختيار والامتثال.
وأضاف: "الشرع له رسولان، كما قال الراغب الأصفهاني في كتابه الذريعة إلى مكارم الشريعة: رسول في الظاهر هو محمد ﷺ، ورسول في الباطن هو العقل، فالعقل لا يعمل بدون هدي الشرع، والشرع لا يتحقق أثره في السلوك بدون فاعلية العقل".
وأكد أن هذا التكامل ليس مجرد نموذج فلسفي نظري، بل هو ما دل عليه القرآن الكريم نفسه، في قوله تعالى: (جاءكم من الله نور وكتاب مبين، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام)، مشيرًا إلى أن "النور" هنا يشير إلى العقل، بينما "الكتاب المبين" هو الوحي، وكلاهما يهدي الإنسان إلى السلام الداخلي والخارجي.
وأكد على أنه لا يوجد أي تعارض بين نص ثابت صحيح في كتاب الله أو سنة رسوله، ودليل عقلي صريح، وإن وُجد ظاهريًا، فإما أن النص غير ثابت أو أن ما يُظن دليلاً عقليًا هو مجرد شبهة، مضيفًا: "العقل الصحيح لا يتصادم مع النقل الصريح، بل يضيئه ويؤكده، كما أن النقل يرشده ويهديه، فهما في النهاية نور على نور".