في خطوة تؤكد التزام الدولة بتعزيز الصادرات الزراعية، تُولي مصر اهتمامًا متزايدًا بزراعة الرمان، خاصة في محافظة أسيوط.
الدكتور طارق خلف البلك، رئيس قسم بحوث الزيتون واستشاري زراعة الرمان بمعهد بحوث البساتين بوزارة الزراعة، يؤكد على الجهود المشتركة بين الدولة والمزارعين لضمان جودة المحصول وتلبية المعايير الدولية الصارمة.
يتمتع الرمان المصري بخصائص فريدة تجعله مطلوبًا في الأسواق العالمية، بما في ذلك السوق الروسية. يتميز المحصول بنسبة سكر لا تقل عن 14%، ووزن يتراوح بين 300 إلى 450 جرامًا للثمرة، إلى جانب خلوه التام من الإصابات الحشرية ومتبقيات المبيدات. وفي العام الماضي، بلغت صادرات مصر من الرمان 125 ألف طن من إجمالي مساحة مزروعة تقدر بـ 80 ألف فدان، منها 10 آلاف فدان في أسيوط وحدها.
مكافحة الآفات وتعزيز الإنتاج: استراتيجية متكاملة لضمان الجودة
يواجه محصول الرمان تحديات من الآفات الحشرية الخطيرة مثل المن، التربس، الأكاروس، دودة الثمار، سوسة القلف، وحفار الساق، بالإضافة إلى الأمراض الفطرية كعفن الجذور وعفن القلب.يحذر الدكتور البلك من أن عدم مكافحة هذه الآفات قد يؤدي إلى خسائر تتجاوز 25% من الإنتاج. وللتصدي لذلك، توصي وزارة الزراعة ببرامج مكافحة دقيقة ومواعيد محددة لكل آفة:
مكافحة المن والتربس: خلال شهري مارس وأبريل.
مكافحة الأكاروس: خلال أشهر أبريل ومايو ويونيو، خاصة بعد موسم حصاد القمح.
برنامج وقائي لدودة الثمار: يبدأ في يونيو بأربع رشات بفاصل 15 يومًا.
مكافحة الأمراض الفطرية: ينصح بزراعة الرمان على مصاطب، والرش بمركبات النحاس عقب التقليم، بالإضافة إلى رشة وقائية ضد عفن القلب في شهري أبريل ومايو.
يلعب معهد بحوث البساتين دورًا محوريًا في دعم مزارعي الرمان من خلال الزيارات الميدانية، الدورات الإرشادية، وتقديم الاستشارات المباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
كما يقدم المعهد توجيهات للمزارعين المبتدئين لتجنب الأخطاء الشائعة مثل اختيار الأصناف غير المناسبة للمنطقة أو الزراعة بأبعاد غير صحيحة التي قد تعرض الثمار للإصابة بلفحة الشمس. وينصح الخبراء بزراعة الرمان على أبعاد 4×4 متر في الأراضي الطينية و3×4 متر في الأراضي الصحراوية لتحقيق التظليل الذاتي المثالي.

أسيوط: عاصمة الرمان المصري وموطن الابتكار
تُعد محافظة أسيوط، وتحديدًا مراكز البداري وساحل سليم وصدفا والفتح، من أكبر وأهم المناطق المنتجة للرمان في مصر. يتميز مركز البداري ببيئة مثالية لإنتاج رمان عالي الجودة بفضل درجة الحرارة والرطوبة والتربة ومياه النيل. ويُعد صنف المنفلوطي من أشهر وأجود الأصناف المزروعة هناك، لما يتميز به من إنتاجية عالية وجودة متميزة.ينقسم الرمان المصري إلى نوعين: أصناف مبكرة مثل H116 والأسيوطي التي تنضج بين أواخر يوليو وأغسطس، وأصناف متأخرة مثل الوندرفل والحجازي التي تنضج من سبتمبر حتى نهاية نوفمبر. هذا التنوع يمنح مصر نافذة تصديرية طويلة.
على الرغم من تأثير التغيرات المناخية، يعتبر الرمان أقل تأثرًا نسبيًا. وقد لجأ المزارعون في أسيوط إلى نظام الري الحديث المقنن، حيث تم تحويل مساحات واسعة من الري بالغمر إلى الري بالتنقيط أو الري بالغمر المقنن عبر المصاطب. ساهمت هذه الأنظمة في توفير نصف كمية المياه، والحد من عفان الجذور وتشقق الثمار، مع استخدام شبكات ري محكمة التشغيل باستخدام الحواسب.

دعم رئاسي وتطلعات مستقبلية: الرمان المصري أيقونة عالمية
تحظى زراعة الرمان في مصر، وخاصة في أسيوط، باهتمام كبير من القيادة السياسية، وقد وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي وزارة الزراعة بتقديم الدعم الفني الكامل للمزارعين.يجري حاليًا إنشاء مصنع لتصنيع منتجات الرمان وإقامة محطات فرز وتعبئة داخل مناطق الإنتاج، وهي خطوة استراتيجية لتعزيز القيمة المضافة وتقليل الفاقد.
كما قام معهد بحوث البساتين باستنباط صنف جديد من الرمان يسمى بساتين 101، يتميز بجودة عالية وصفات ثمرية جيدة ومبكر في النضج.
يؤكد الدكتور البلك أن ما يميز الرمان المصري، بالإضافة إلى الجودة، هو قدرته على تلبية متطلبات الأسواق العالمية من حيث الشكل والحجم ونسبة السكر وخلوه من الآفات، مما يجعله مرشحًا قويًا ليصبح أيقونة عالمية في الأسواق الزراعية. في ظل الدعم البحثي والتقني، يظل الرمان المصري أحد أهم كنوز التربة المصرية التي لم تُكتشف كامل طاقاتها بعد.
