تلعب النباتات دورًا أساسيًا في بقاء الحياة على الأرض، فهي المصدر الرئيس للأكسجين، حيث تنتج نحو 98٪ من الأكسجين اللازم للتنفس، وتشكل حوالي 80٪ من السعرات الحرارية التي يحتاجها الإنسان يوميًا. كما تعد قاعدة السلسلة الغذائية للحيوانات، أي أن أي خلل في النباتات يؤثر مباشرة على الثروة الحيوانية.
ومع تزايد التغيرات المناخية، يزداد تهديد صحة النباتات، ويصبح التحكم في انتشار الآفات والأمراض النباتية أكثر صعوبة. تشير تقديرات منظمة الأغذية والزراعة (FAO, 2024) إلى أن نحو 40٪ من المحاصيل الغذائية تفقد سنويًا نتيجة الأمراض النباتية والآفات المرتبطة بها. كما يلعب الإنسان دورًا رئيسيًا في هذه التغيرات من خلال الأنشطة الصناعية والزراعية، التي تزيد من انبعاث الغازات الدفيئة وتغير الخرائط المرضية للنباتات.
التغيرات المناخية وأسبابها وتأثيراتها
تشير التغيرات المناخية إلى التحولات الطويلة الأمد في درجات الحرارة والطقس، التي يمكن أن تكون طبيعية نتيجة نشاط الشمس أو الانفجارات البركانية. ومع بداية الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، أصبحت الأنشطة البشرية، مثل حرق الوقود الأحفوري واستخدام الأسمدة، المحرك الأساسي للتغيرات المناخية عبر انبعاث الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز.تؤدي هذه الانبعاثات إلى الاحتباس الحراري، والذي يتسبب في:
ارتفاع درجات الحرارة.
ذوبان الجليد وارتفاع مستوى سطح البحر.
تغير حموضة البحار والمحيطات وتأثيرها على الثروة السمكية.
تغير معدلات سقوط الأمطار، مما يؤدي إلى جفاف بعض المناطق وفيضانات في مناطق أخرى.
وفقًا للتقديرات، قد يرتفع متوسط حرارة الأرض إلى 3.1 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، وقد يصل هذا الارتفاع إلى 4 درجات مئوية بحلول عام 2100 إذا لم تُتخذ إجراءات للحد من الانبعاثات الكربونية (Valone, 2021).
وتعد الصين أكبر مساهم عالمي في الانبعاثات، حيث أضافت 300 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، أي ما يمثل أكثر من 27٪ من الانبعاثات العالمية. وتأتي مصر في المرتبة الثانية إفريقيًا بعد جنوب إفريقيا، بمعدل انبعاثات فردية قدرها 2.36 طن للفرد في عام 2022، و0.6٪ من إجمالي الانبعاثات العالمية (Abdellatif & Mohamed, 2025).
العلاقة بين المناخ والأمراض النباتية
تشير الدراسات الحديثة إلى أن ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون يؤثر على الاستجابة المناعية للنباتات وعلى الهرمونات النباتية، ما يزيد من انتشار الأمراض النباتية. يؤدي ذلك إلى:زيادة حجم الأعضاء النباتية وكثافة الأوراق والسيقان، مما يسهل إصابة النباتات بالأمراض.
انخفاض التنوع البيولوجي، واحتمال انقراض بعض الأنواع النباتية.
زيادة معدلات التبخر والتنفس، مما يقلل قدرة النبات على مقاومة الأمراض الفيروسية.
كما أن التغيرات المناخية تؤثر على انتشار الأمراض في مناطق جديدة، وتزيد من نشاط الآفات الحشرية مثل سوسة النخيل الحمراء وذبابة الفاكهة والجراد الصحراوي، بينما تتراجع أعداد أنواع أخرى مثل النحل والفراشات، ما يهدد التوازن البيئي (Andrew & Hill, 2017).
ارتفاع درجات الحرارة يؤدي أيضًا إلى زيادة نشاط الفطريات الممرضة مثل أمراض الأصداء، ويقلل كفاءة الفطريات الجذرية في مساعدة النبات على امتصاص العناصر الغذائية (Raza & Bebber, 2022). كما تزيد الرطوبة الناتجة عن ارتفاع الحرارة من انتشار الأمراض التي تنتقل عن طريق التربة وأعفان الجذور، وتزيد قدرة بعض الفطريات والبكتيريا على مقاومة المبيدات (Jones & Barbetti, 2012).
بالإضافة إلى ذلك، تؤثر التغيرات المناخية على نواقل الفيروسات النباتية سواء كانت حشرية أو أعشاب، مما يؤدي إلى انتشار أوسع للأمراض الفيروسية. تمتاز أغلب الفيروسات النباتية الحاملة للـRNA بقدرتها العالية على التكيف مع الظروف المناخية، عبر طفور سريع في الحمض النووي، ما يتيح ظهور سلالات فيروسية جديدة وأكثر ضراوة (Trebicki, 2020).
استراتيجيات مواجهة تأثيرات التغير المناخي على النباتات
لمواجهة الآثار السلبية للتغير المناخي، يجب وضع خطط واستراتيجيات شاملة للحفاظ على الأمن الغذائي وتقليل الخسائر الاقتصادية. تشمل هذه الاستراتيجيات:تطوير أصناف نباتية قادرة على تحمل ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة والملوحة.
انتقاء أصناف مقاومة للأمراض والفيروسات.
تطبيق برامج المكافحة الحيوية المستدامة للآفات والأمراض.
من خلال هذه الإجراءات، يمكن حماية صحة النباتات وضمان استمرار إنتاج المحاصيل الزراعية في مواجهة التحديات المناخية المتزايدة.
د. آية التركي تكتب
باحث بقسم بحوث الفيروس والفيتوبلازما
معهد بحوث أمراض النباتات



