يطلق العلماء على الحليب مصطلح "الغذاء الكامل" حيث يحتوي على العديد من العناصر الغذائية او غالبا كل العناصر الغذائية التي يحتاجها جسم الانسان سواء كان طفل او بالغ و لكن نجد ان هذه العناصر الغذائية الموجودة في الحليب هي سلاح ذو حدين فكما انها مصدر للغذاء للانسان فهي مصدر غذاء للكائنات الحية الدقيقة الضارة و التي تسبب تلف الحليب و منتجاته و من هنا وضح العلماء وجوب اجراء معاملة حرارية للبن للقضاء على هذه الكائنات الحية الدقيقة و التي تسبب ضرر بصحة المستهلك و كذلك ضرر للمنتجين و بالتالي خسائر اقتصادية فادحة و فيما يلي توضيح لبعض المعاملات الحرارية التي يمكن اجراؤها على الحليب مع توضيح مميزات و اضرار كل طريقة.
1- البسترة:
و يقصد بها تعريض الحليب لدرجة حرارة معينة و لفترة معينة ثم التبريد المفاجئ حتى 7-10°م للقضاء على الميكروبات المرضية و يرجع اكتشاف عملية البسترة الى العالم الفرنسي لويس باستير louis Pasteur في القرن التاسع عشر.
يتم الكشف عن دقة البسترة باختبار الكشف عن ميكروب السل حيث ان غيابه دليل على نجاح عملية البسترة. تعتبر البسترة وسيلة حفظ قصيرة المدى حيث يبقى الحليب صالحا للاستخدام خلال 2-3 ايام على درجة حرارة التبريد.
تستخدم البسترة للبن المعد لتصنيع الجبن حيث انها لا تؤثر على بروتينات الحليب و كذلك في حالة الحليب المعد للشرب خلال مده زمنية قصيرة و للبسترة عدة طرق منها البسترة البطيئة و تكون على درجة حرارة اقل من 70 °م (68°م لمدة 30 دقيقة) low temperature long time (LTLT) و البسترة على درجة حرارة اعلى من 70°م (72°م لمدة 15 ثانية) high temperature short time (HTST) و البسترة الخاطفة و فيها يعرض الحليب لدرجة حرارة 80-85°م لمدة 10 ثواني ثم في ايا من الطرق السابقة يجرى التبريد المفاجئ الى اقل من 10 °م في حالة استخدامه كحليب مبرد او الى 40°م في حالة صناعة الزبادي او الجبن.
من اهم مميزات عملية البسترة عدم حدوث تغيرات في طعم او لون الحليب او في العناصر الغذائية الموجودة بالحليب الا بعض الفيتامينات التي قد تتأثر بنسبة بسيطة مثل فيتامين C و فيتامين A و من عيوبها صغر مدة حفظ الحليب مع ضرورة حفظه في درجة حرارة التبريد.
2- التعقيم
و يقصد بها تعريض الحليب لدرجة حرارة اعلى من درجة حرارة الغليان لمدة معينة و منها التعقيم لدرجة حرارة فائقة ultra-high temperature (UHT) و تكون في مدى حراري 135-150°م لمدة 1-10 ثواني و التعقيم في الاحواض in-container or vat sterilization و تكون في مدى حراري 110-120°م لمدة 10-20 دقيقة.مميزات التعقيم:
1- بالنسبة للمحال الصغيرة فهو يوفر سهولة في التخزين و التداول و التوزيع لعدم احتياجه للتبريد اثناء حفظه.2- بالنسبة للمستهلك فهو يوفر سهولة الاستعمال لعدم احتياجه للتبريد، علاوة على انه يمكن شراء كمية كبيرة تكفي لعدة ايام.
3- زيادة الضمان والثقة باستهلاك الالبان المعقمة، نظرا للتأكد من خلوها من جميع الميكروبات سواء كانت مرضية او غير مرضية.
عيوب التعقيم
I. التأثير في الصفات الحسية للحليب:-
ان للمعاملة بالتعقيم اثارا سيئة على خصائص الحليب الحسية مثل اللون و الطعم، فاللون يكون اقرب الى اللون البني نتيجة حدوث التفاعلات البنية Browning reactions إذ يتم التفاعل بين المجاميع الامينية في الاحماض الامينية مع مجاميع الالدهيدات في جزيئات الجلوكوز والجلاكتوز المكونين لسكر اللاكتوز، اذ ان جزء من سكر اللاكتوز يتحلل الى مكوناته نتيجة لحرارة التعقيم و بالتالي فانه من نواتج هذا التفاعل هو انتاج بعض الصبغات البنية اللون وهو من نوع (الميلانين) التي ترتبط ارتباطا ًكيميائيا مع بروتينات الحليب.
اما بالنسبة لطعم الحليب المعقم فهو يتصف بالطعم المطبوخ Cooked flavor ويرجع هذا الطعم لحدوث تغيير في صفات بروتينات الشرش.
2. التأثير في الصفات الكيمياوية للحليب:-
تتأثر صفات المركبات الرئيسية للحليب بشكل او بآخر بفعل المعاملة الحرارية بالتعقيم مما يؤدي الى بعض المشاكل في التصنيع و خصوصا صناعة الجبن و ذلك لعدة اسباب و منها:• صعوبة تجبنه و ذلك بسبب الحرارة العالية التي تؤدي الى ترسيب معظم فوسفات الكالسيوم الذائبة بالاضافة للتأثير العكسي لترسيب بروتينات الشرش على حبيبات الكازين.
• تتأثر بروتينات الشرش بالتعقيم بنسبة تتجاوز 50 % مما تتسبب في ظهور الطعم المطبوخ وانخفاض في صلابة الخثرة.
• أما بالنسبة للكازين فلا يتأثر بشكل ملموس بعملية التعقيم.
• سكر اللاكتوز يكون عرضة للتحلل محرراً جلوكوز وجلاكتوز ومنهما تتحرر بعض الاحماض العضوية.
• الانزيمات جميعها تتلف بعد التعقيم.
3- الغلي:
غلي الحليب يقصد به تعريض الحليب للحرارة حتى يصل لدرجة حرارة الغليان ثم يترك حتى يبرد و هي معاملة غالبا ما تجرى في المنازل كوسيلة للتخلص من البكتريا الضارة و البكتريا التي تسبب تلف الحليب.وجدت الأبحاث التي تناولت التغيرات في محتوى الفيتامينات والمعادن في الحليب الخام مقارنةً بالحليب المعرض لمعاملة حرارية أن درجات حرارة البسترة العادية لم تغير محتوى العناصر الغذائية كثيرًا. من ناحية أخرى، يؤثر التعقيم بطريقة (UHT) على محتوى العديد من الفيتامينات. اما بالنسبة لعملية الغلي فهي ايضا تؤثر على بروتينات الحليب فالبروتينات الاساسية في الحليب هما الكازين وبروتينات الشرش او المصل.
يشكل الكازين حوالي 80% من بروتين الحليب، بينما يشكل بروتينات الشرش او ما يسمى ببروتين المصل حوالي 20%. يبقى الكازين في الحليب مستقرًا نسبيًا، حتى عند تسخينه إلى درجة الغليان. ومع ذلك، فإن تسخين بروتين مصل الحليب سيغير تركيبه، حتى قبل أن يصل إلى درجة غليان الحليب.
اللاكتوز هو الكربوهيدرات الأساسية في الحليب، وهو حساس للحرارة. عند غلي الحليب، يتحول جزء من اللاكتوز إلى سكر غير قابل للهضم يُسمى اللاكتيلوز، بالإضافة إلى مركبات أخرى.
اما بالنسبة لتأثير الغليان على دهن الحليب فيكون بسيط إلى حد ما. فالحليب يحتوي على مزيج من الأحماض الدهنية قصيرة ومتوسطة وطويلة السلسلة, في حين أن إجمالي محتوى الدهون يبقى ثابتًا عند الغليان، إلا أن بعض الدهون طويلة السلسلة قد تتحول إلى دهون قصيرة ومتوسطة السلسلة.
فوائد و اضرار غلي الحليب
دهون أكثر فائدة
قد توفر الأحماض الدهنية قصيرة ومتوسطة السلسلة الإضافية في الحليب المغلي بعض الفوائد الصحية. تُعد الدهون قصيرة السلسلة وقودًا مهمًا لخلايا الأمعاء. وترتبط بتحسين صحة الأمعاء وانخفاض خطر الإصابة بسرطان القولون. كما تشير بعض الدراسات إلى أن الدهون قصيرة السلسلة تلعب دورًا في تعزيز وزن صحي للجسم ومستويات سكر الدم وضغط الدم.يقوم الجسم بتحويل الدهون متوسطة السلسلة بشكل مختلف عن الدهون الأخرى. فبدلًا من تخزينها، يمتصها الجسم بسرعة ويستخدمها كطاقة.
تشير بعض الأدلة إلى أن استبدال الدهون طويلة السلسلة في النظام الغذائي بالدهون متوسطة السلسلة قد يزيد بشكل طفيف من عدد السعرات الحرارية التي تحرقها، مما يساهم في فقدان الوزن.
تحسن القدرة على التحمل
بسبب التغيرات في البروتين واللاكتوز التي تحدث عند غلي الحليب، قد يجد الأشخاص الذين يعانون من حساسية تجاه بروتين الحليب أو عدم تحمل اللاكتوز أنه من الأسهل هضمه. أظهرت دراسةٌ أُجريت على المعالجات الحرارية وبروتين الحليب وجود 364 بروتينًا في الحليب. بعد الغليان، انخفض تركيز 23 بروتينًا بشكل ملحوظ.ولعل هذا هو السبب في أن بعض الأبحاث أظهرت أن الأطفال الذين يعانون من حساسية الحليب يمكنهم أحيانًا تحمل الأطعمة المطبوخة أو المخبوزة المصنوعة من الحليب.
أظهرت دراسةٌ أُجريت على بعض الاطفال الذين يعانون من حساسية الحليب أن 69% منهم كانوا قادرين على تحمل بعض أنواع الحليب المطبوخ. كما ينخفض محتوى اللاكتوز في الحليب المغلي.
يحول الغليان اللاكتوز إلى أنواع مختلفة من الأحماض واللاكتولوز، وهو نوع من السكر لا يمتصه الجسم . مع ذلك، إذا كنت تعاني من حساسية تجاه بروتين الحليب أو عدم تحمل اللاكتوز، فمن المهم أن تعلم أن الغليان قد لا يُحدث تغييرًا كافيًا يسمح لك بتناول الحليب بأمان.
نقص العناصر الغذائية
تتأثر فيتامينات ب (الثيامين، الريبوفلافين، النياسين، حمض الفوليك، ب6، وب12) بعوامل مثل الضوء والحرارة.في احدي الدراسات وجد ان تأثير غلي الحليب على محتواه من الفيتامينات انه يخفض مستويات جميع فيتامينات ب بنسبة 24% على الأقل، بينما انخفض حمض الفوليك بنسبة 36%.
على الرغم من أهمية ذلك، إلا أن الحليب ليس مصدرًا مهمًا لفيتامينات ب في معظم الأنظمة الغذائية، باستثناء فيتامين ب الريبوفلافين. يعمل الريبوفلافين مع فيتامينات ب الأخرى على تحويل الطعام الذي تتناوله إلى طاقة. من النادر أن يُصاب الجسم بنقص في الريبوفلافين، حيث يُمكن الحصول عليه من العديد من الأطعمة. مع ذلك، يعد الحليب مصدرًا رئيسيًا للريبوفلافين، وخاصةً في أنظمة الأطفال الغذائية. يُقلل غلي الحليب من محتوى الريبوفلافين بنسبة ٢٧٪.
بالإضافة إلى ذلك، تُسبب التغيرات الهيكلية لبعض بروتينات الحليب هضم الجسم للبروتين الموجود فيه واحتفاظه به بشكل أقل. وجدت دراسة أن شرب الحليب المعقم بتقنية UHT أدى إلى احتفاظهم بكمية بروتين أقل بنسبة ١٢٪ مقارنةً بشرب الحليب المبستر العادي.
إذا كنت تعتمد على الحليب كمصدر للبروتين، فقد يُؤدي غليه إلى الحصول على كمية بروتين أقل مما ترغب.
تغيرات في الطعم والجودة
بسبب تفاعل ميلارد، قد يختلف طعم الحليب المغلي قليلاً ولونُه. يحدث هذا التفاعل الكيميائي عند تسخين الأطعمة وتفاعل البروتينات مع السكريات. قد لا تُلاحظ تغيرات الطعم واللون عند إضافة نكهة إلى الحليب أو استخدامه في الطهي. أما إذا شربته مباشرةً، فقد يختلف طعمه ومظهره قليلاً بعد غليه.أفضل طريقة لغلي الحليب
يتكون الحليب من الماء والدهون والكربوهيدرات والبروتين. عند تسخينه، يبدأ الماء بالتبخر، وتبدأ المكونات الأخرى بالانفصال. قد يؤدي غليه بسرعة كبيرة إلى حرق السكريات وتكتل بروتينات الشرش. هذا يُسبب احتراقًا في قاع الاناء وتكوين طبقة رقيقة فوقه. كما يشكل غلي الحليب رغوة في الأعلى قد تسبب حدوث الفوران بالرغم من عدم وصول الحليب لدرجة حرارة الغليان.من الأفضل تسخين الحليب ببطء على نار متوسطة، مع تقليبه حتى يغلي حيث يساعد التقليب اثناء التسخين برفق على تماسك الماء والكربوهيدرات والدهون والبروتين في الحليب. بمجرد ملاحظة ظهور فقاعات على حواف الاناء وقليل منها في المنتصف، أطفئ النار.
كلما تم غلي الحليب على درجة حرارة أعلى، زاد احتمال فساد بروتيناته والتسبب في تخثره. عند الغلي على درجة حرارة أعلى، كذلك يلاحظ تغيرات في الطعم واللون نتيجة تفاعل ميلارد.
اعداد د/ شيماء صادق بكري
باحث- قسم بحوث تكنولوجيا تصنيع الالبان- معهد بحوث تكنولوجيا الاغذية- محطة بحوث اسيوط



