الإثنين، 03 جمادى الثانية 1447 ، 24 نوفمبر 2025

د. عاطف سعد عشيبة يكتب.. الأخطبوط : من البيئات البحرية إلى المائدة والأسواق العالمية

WhatsApp Image 2025-11-24 at 4.31.58 PM
د. عاطف سعد عشيبة
أ أ
techno seeds
techno seeds
يعدالأخطبوط واحدًا من أكثر الكائنات البحرية تطورًا وإثارة ، فهو ينتمي إلى طائفة رأسيات الأرجل (Cephalopoda) ضمن شعبة الرخويات (Mollusca) في المملكة الحيوانية (Animalia).

وتتميز هذه الطائفة بذكاء أفرادها وقدرتها الفائقة على التمويه والحركة السريعة، وهي صفات يبرع الأخطبوط في تجسيدها بفضل أذرعه الثمانية وجسده المرن وقدرته على تغيير اللون والملمس.

ويقع الأخطبوط في رتبة الأخطبوطات (Octopoda) ويتبع فصيلة Octopodidae، بينما يحمل جنسه الاسم العلمي Octopus الذي يضم عشرات الأنواع المنتشرة في مختلف بحار ومحيطات العالم.

ورغم مظهره الغريب، فقد أثبت الأخطبوط قدرة لافتة على التعلّم والتكيّف، الأمر الذي جعله يحظى بمكانة خاصة في الأبحاث العلمية الحديثة. ومع تطور طرق الصيد والدراسة خلال العقود الأخيرة، عاد هذا الكائن ليبرز مجددًا كأحد الموارد البحرية ذات القيمة الغذائية العالية والدور الاقتصادي المتنامي في الأسواق العالمية.

البيئة التي يعيش فيها الأخطبوط


يعيش الأخطبوط في بيئات بحرية متنوعة، لكنه يفضل المناطق التي تعطيه القدرة على الاختباء والتخفي. غالبًا ما يوجد في المناطق الصخرية القريبة من الشواطئ، وبين الشعاب المرجانية، أو في الكهوف الصغيرة تحت الماء. ويستطيع العيش في مدى واسع من الأعماق؛ فبعض الأنواع تعيش عند عمق بضعة أمتار فقط، بينما توجد أنواع أخرى في أعماق قد تتجاوز 2000 متر.

ويحب الأخطبوط البيئات الرملية أو الطينية بشرط أن توفر له أماكن للاختباء، كما يفضل درجات حرارة معتدلة، مع وجود وفرة من القشريات والأسماك الصغيرة التي يتغذى عليها. وبسبب قدرته على تغيير لونه، فإنه يتكيف بسهولة مع خلفيات مختلفة، مما يجعله كائنًا مناسبًا لمجموعة واسعة من البيئات البحرية.

تتعدد أنواع الأخطبوط المنتشرة في بحار ومحيطات العالم، إلا أن هناك مجموعة محددة تعد الأكثر شهرة ودراسة مقارنة بغيرها. ويأتي في مقدمة هذه الأنواع :- 

الأخطبوط الشائع  (Octopus vulgaris)

يعتبر الأخطبوط الشائع من أكثر أنواع الأخطبوط انتشارًا في العالم، خاصة في البحر المتوسط والمحيط الأطلسي. يتميز هذا النوع بحجمه المتوسط وذكائه الملحوظ، كما يمتلك قدرة فائقة على التمويه والتكيف مع البيئة المحيطة به. يعرف الأخطبوط الشائع بكونه النوع الأكثر استخدامًا في الاستهلاك الغذائي، حيث يدخل في العديد من الأطباق البحرية التقليدية ويشكل مصدرًا مهمًا للبروتين.

الأخطبوط العملاق في المحيط الهادئ (Giant Pacific Octopus)

يعد الأخطبوط العملاق أكبر أنواع الأخطبوط على الإطلاق، حيث يمكن أن يصل وزنه إلى أكثر من خمسين كيلوجرامًا. يعيش هذا النوع في المياه الباردة والعميقة، ويشتهر بقوته البدنية الكبيرة وذاكرته القوية مقارنة بالأنواع الأخرى. على الرغم من حجمه الضخم، فإن الأخطبوط العملاق قادر على التكيف مع بيئته الصعبة.

أخطبوط الحلقات الزرقاء (Blue-ringed Octopus)

على الرغم من صغر حجمه، يعرف أخطبوط الحلقات الزرقاء بخطورته الشديدة وسميته العالية، التي قد تكون قاتلة للإنسان. يعيش هذا النوع بشكل رئيسي في المياه الساحلية فى أستراليا واليابان، ويتميز بوجود حلقات زرقاء براقة تظهر على جسمه عند شعوره بالخطر، ما يجعله تحذيرًا طبيعيًا للمفترسين. نظرًا لسميته، لا يستخدم هذا النوع في الغذاء، لكنه يحظى باهتمام العلماء لدراسة خصائص سمومه.

أخطبوط المرجان (Reef Octopus)

يستوطن أخطبوط المرجان المياه الدافئة الضحلة بين الشعاب المرجانية، ويشتهر بسرعته وقدرته المدهشة على تغيير لونه وملمسه بما يتناغم مع البيئة المحيطة.

يعد هذا النوع من الأنواع الجذابة للغواصين والسياح، ويستخدم أحيانًا في الأبحاث البيئية لدراسة التكيفات البحرية. مرونته وسرعته تجعله نموذجًا ممتازًا لفهم استراتيجيات الدفاع والحركة لدى الرخويات.

أخطبوط الأعماق (Deep-sea Octopus)

يعيش أخطبوط الأعماق في بيئات بحرية عميقة حيث الضغط مرتفع والضوء محدود، مما يمنحه مظهرًا مختلفًا عن الأنواع الساحلية. تتميز ألوانه بالبهتان نتيجة نقص الضوء، وبعض أنواعه تمتلك زعانف صغيرة تساعدها على السباحة في الأعماق.

هذا النوع نادر الظهور، ويشكل موضوعًا مهمًا للدراسات العلمية حول الحياة البحرية في أعماق المحيطات، حيث الظروف القاسية تستدعي تكيفات فريدة.

القيمة الغذائية والصحية للأخطبوط


يعد الأخطبوط من الأطعمة البحرية عالية القيمة الغذائية، إذ يتميز بكونه مصدرًا ممتازًا للبروتينات الكاملة التي تحتوي على جميع الأحماض الأمينية الأساسية. هذا يجعله غذاءً مثاليًا لبناء العضلات، وتجديد أنسجة الجسم، ودعم النمو. ورغم قيمته الغذائية العالية، فإن الأخطبوط منخفض السعرات الحرارية والدهون، مما يجعله مناسبًا للأنظمة الغذائية الهادفة إلى إنقاص الوزن أو الحفاظ عليه دون الإخلال بالاحتياجات الغذائية الضرورية.

ويمتاز الأخطبوط بمحتواه المرتفع من فيتامينات مجموعة B، خاصة فيتامين B12 الذي يعد ضروريًا لصحة الجهاز العصبي وتكوين خلايا الدم الحمراء، إضافة إلى فيتامين B6 الذي يساهم في تحسين عمليات التمثيل الغذائي وإنتاج الطاقة. كما يحتوي الأخطبوط على مجموعة مهمة من المعادن، أبرزها الحديد الذي يساعد في الوقاية من الأنيميا، والزنك الذي يعزز المناعة، والسيلينيوم الذي يعمل كمضاد أكسدة قوي يحمي الخلايا من التلف.

ومن الجوانب الصحية المميزة للأخطبوط أنه غني بالأحماض الدهنية أوميجا-3، وهي مركبات تلعب دورًا أساسيًا في تحسين صحة القلب وخفض مستويات الكوليسترول الضار، إضافة إلى دورها في دعم وظائف الدماغ وتقليل الالتهابات. كما أن انخفاض محتوى الأخطبوط من الدهون المشبعة يجعله خيارًا غذائيًا مفيدًا للصحة القلبية على المدى الطويل.

ويحتوي الأخطبوط أيضًا على نسبة جيدة من مضادات الأكسدة الطبيعية، التي تساعد في حماية الجسم من الجذور الحرة وتقليل مخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة. كما يعد مصدرًا جيدًا لليود الذي يدعم صحة الغدة الدرقية وينظم عمليات التمثيل الغذائي.

القيمة الاقتصادية للأخطبوط 


يعد الأخطبوط من الكائنات البحرية ذات الأهمية الاقتصادية الكبيرة، إذ يوفر مصدر دخل هام للصيادين والمجتمعات الساحلية، كما يمثل سلعة مرغوبة في الأسواق المحلية والدولية. الأخطبوط الشائع (Octopus vulgaris)، على سبيل المثال، يحظى بطلب مرتفع في الأسواق الأوروبية والآسيوية، ويستخدم في المطابخ التقليدية والمطاعم الفاخرة، ما يجعله مصدر دخل مستدام للصيادين في البحر المتوسط والمحيط الأطلسي. كما يُسهّل صيده نسبيًا مقارنة بالأنواع الأخرى، ما يزيد من توفّره ويخفض تكاليف الإنتاج.

أما الأخطبوط العملاق في المحيط الهادئ (Giant Pacific Octopus)، فبالرغم من حجمه الكبير وصعوبة صيده في المياه الباردة والعميقة، فإن قيمته الاقتصادية عالية جدًا بسبب الطلب على لحمه الكبير في الأسواق الآسيوية، وخصوصًا في اليابان وكوريا، حيث يقدر استهلاكه في المطاعم والفنادق الفاخرة. كما يتم بيعه مجمّدًا أو مطبوخًا، ما يرفع العائد المادي من كل عملية صيد.

من ناحية أخرى، يعتبر أخطبوط المرجان (Reef Octopus) ذا قيمة اقتصادية متوسطة، إذ يعيش في المياه الدافئة الضحلة ويسهُل صيده في المناطق السياحية، ويستخدم في تقديم وجبات بحرية مطبوخة أو مجمّدة للسوق المحلي. أما أخطبوط الأعماق (Deep-sea Octopus)، فبالرغم من ندرة صيده وصعوبة الوصول إليه في الأعماق السحيقة، فإنه يحظى بطلب خاص في الأسواق العلمية وبعض الأسواق الفاخرة، ويُباع بأسعار مرتفعة نسبيًا نظرًا لندرته وقيمته الفريدة.

وعلى الرغم من ذلك، لا يستفاد اقتصاديًا من أخطبوط الحلقات الزرقاء (Blue-ringed Octopus) نظرًا لسميته القاتلة، فهو لا يستهلك تجاريًا، لكن يستخدم أحيانًا في الأبحاث العلمية لدراسة السموم واستخداماتها الطبية المحتملة.

وبشكل عام، تظهر هذه الأنواع اختلافًا في قيمتها الاقتصادية وفقًا لعوامل عدة تشمل سهولة الصيد، حجم النوع، الطلب في السوق المحلي والدولي، وقابلية الحفظ والتصدير. ويعتبر الاستثمار في تجهيز الأخطبوط، سواء عن طريق التجميد أو التعليب أو منتجات مطبوخة جاهزة، من أكثر الطرق لتعظيم العائد الاقتصادي. كما يساهم استزراع بعض الأنواع الصناعية في زيادة المعروض وتقليل الضغط على المخزون الطبيعي، ما يعزز استدامة هذا المورد البحري الحيوي.

المنتجات الغذائية المصنعة من الأخطبوط 


يمكن تصنيع الأخطبوط إلى مجموعة واسعة من المنتجات الغذائية التي تلبي احتياجات المستهلكين المحليين والدوليين. فمن الأخطبوط الطازج يمكن إعداده مسلوقًا أو مشويًا أو مقليًا مباشرة، أو تجميده للحفاظ على قيمته الغذائية وتسويقه في الأسواق البعيدة. كما يمكن إنتاج معجنات وأطباق جاهزة للطهي تحتوي على شرائح الأخطبوط، أو تحويله إلى معلبات جاهزة مع الصلصات والتوابل، ما يرفع قيمته المضافة ويزيد من تنوع الاستخدامات. كما يمكن إعداد شرائح أخطبوط مجففة أو مدخنة كوجبات خفيفة عالية البروتين.

بالإضافة إلى ذلك، تستغل المخلفات أو الأجزاء غير الصالحة للأكل في صناعة مساحيق بروتينية تدخل في تغذية الأسماك والدواجن أو تحضير أعلاف بحرية، وكذلك سماد عضوي عالي القيمة.


اعداد أ.د/ عاطف سعد عشيبة 
وكيل معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية – مركز البحوث الزراعية
اشترك في قناة اجري نيوز على واتساب اشترك في قناة اجري نيوز على جوجل نيوز
icon

الأكثر قراءة