وسط رمال الصحراء الممتدة وتحت سماء المغامرة، يواصل الصقارون العرب كتابة فصول من التراث والفخر في عالم الصيد بالصقور، حيث تُعد قفازات الصقّارين أحد أهم أسرار تميزهم، رغم أنها قد تبدو للبعض مجرد قطعة جلد بسيطة.

هذه القفازات، التي تتجاوز قيمتها في بعض الأحيان قيمة الصقر نفسه، تمثل عنصر أمان أساسي، وركنًا لا غنى عنه في أدوات الصقار. فهي تمنح الصقّار تحكمًا دقيقًا في الطائر، وتوفر الحماية من مخالب جارحة قد تتسبب في إصابات خطيرة.

صناعات يدوية متوارثة وعراقة تراثية

تصنع قفازات الصقّارين غالبًا من جلود عالية الجودة مثل جلد الغزال أو البقر، وتُخضع لعمليات دباغة دقيقة تضمن التوازن بين الليونة والقوة.

وتُزيَّن بعضها بخيوط حريرية وتطريزات يدوية ترمز إلى قبيلة الصقار أو تاريخه العائلي، ما يجعل منها رموزًا تراثية تُورّث عبر الأجيال.
ولا تقتصر أهمية هذه القفازات على جانبها العملي فحسب، بل تعتبر أيضًا تحفًا فنية تُعرض أحيانًا في المزادات وتباع بأسعار خيالية، خاصة تلك التي استخدمها صقارون مشهورون أو شاركت في بطولات مميزة.

تصميم فني بمهارة دقيقة

رغم بساطة شكلها، فإن تصميم القفازات يخضع لمواصفات خاصة، حيث يُراعى أن يكون الإبهام والسبابة أكثر مرونة لتحكم أفضل بخيوط الطائر، بينما يُعزز ظهر الكف للحماية من الصقر أثناء الهبوط أو الارتكاز. كما يشترط أن تكون خفيفة الوزن لتناسب فترات الصيد الطويلة دون إرهاق.

رمزية اجتماعية ومكانة ثقافية

يرى بعض الصقارين أن القفازات المزيّنة برموز خاصة أو أدعية منقوشة تجلب الحظ وتحميهم من المخاطر، وهو ما يُضفي عليها بعدًا روحيًا. وفي دول مثل السعودية وقطر والمغرب، اشتهرت عائلات حرفية بصناعة هذه القفازات، حيث تُتناقل الأسرار المهنية عبر الأجيال، مانحة منتجاتهم مكانة مرموقة في الأوساط المتخصصة عالميًا.

اختبار قاسٍ وطلب عالمي متزايد

من الطرائف المتداولة، أن بعض القفازات تُختبر باستخدام يد مغطاة باللحم، ثم يُسمح لصقر بالهبوط عليها، وإذا خرجت سليمة، عُدت جديرة بالثقة. ومع ازدياد عدد هواة الصيد بالصقور حول العالم، انتقلت صناعة القفازات إلى دول أوروبا وأمريكا، لكن النسخ العربية الأصلية، خصوصًا اليدوية منها، تظل الأكثر تميزًا وهيبة.

للنساء أيضاً نصيب

وفي السنوات الأخيرة، دخلت المرأة الصقّارة هذا العالم بقوة، ومعها ظهرت تصاميم خاصة من القفازات، تجمع بين الأناقة والحماية، وتناسب الأيدي الصغيرة للسيدات اللاتي أثبتن احترافًا في ملاحقة الشواهين والحرار.

العلاقة بين الصقار وقفازه

تُجسد قفازات الصقارين علاقة فريدة من نوعها بين الإنسان والطير، قائمة على الثقة والمهارة، وتُمثل حلقة وصل أساسية في ممارسة رياضة تتسم بالتحدي والمخاطرة، فالقفاز، رغم صغر حجمه، هو درع الحماية ورفيق الرحلة، وسرّ لا يُفصح عنه إلا في مجالس الصقارين وعشاق الصيد في البادية.