أ
أ
تتربع المانجو، بحق، على عرش الفواكه الاستوائية في قلوب المصريين، فهي الخيار الأمثل للاستهلاك الطازج، وتتحول بسحرها إلى عصائر منعشة، مثلجات شهية، وحلويات فاخرة. مصر، بموقعها الجغرافي الفريد ومناخها الدافئ، لم تعد مجرد مستهلك لهذه الفاكهة اللذيذة، بل غدت واحدة من أهم الدول المنتجة للمانجو عالميًا، وذلك بفضل جهودها الدؤوبة في تطوير زراعتها وتكييف أصنافها لتناسب البيئة المحلية.
رحلة تاريخية: المانجو في مصر... من عهد محمد علي إلى ريادة معهد بحوث البساتين
قصة المانجو في مصر ليست مجرد حكاية فاكهة، بل هي رحلة تاريخية عريقة بدأت في عام 1825، عندما دخلت هذه الفاكهة الساحرة إلى البلاد في عهد محمد علي باشا. 
لم تكن مجرد بذور عشوائية، بل كانت مجموعة مختارة من الأصناف المتميزة التي لفتت الأنظار آنذاك، مثل المنشاوي، الهندي، الزبدية، العويسي، والسكري. كانت هذه الأصناف هي النواة التي بنيت عليها سمعة المانجو المصرية، وما زالت بعضها تحظى بشعبية كبيرة حتى يومنا هذا.
على مر السنين، لم تتوقف مصر عند هذه الأصناف الأولية. فقد كان معهد بحوث البساتين رائدًا في هذه المسيرة التنموية، فبفضل جهود الباحثين المتواصلة، وعقود من العمل الدؤوب والتجارب الزراعية، ساهم المعهد بشكل كبير في إثراء التنوع الوراثي للمانجو في مصر.
لم يقتصر دورهم على إدخال أصناف جديدة فحسب، بل عملوا على تربية ونشر ما يقرب من 12 صنفًا جديدًا، مما أدى إلى انتشارها الواسع بين المزارعين في مختلف أنحاء البلاد. هذا التطور المستمر ضمن أن تحافظ مصر على مكانتها كمركز رئيسي لإنتاج المانجو، وتوفير خيارات متنوعة للمستهلكين والأسواق العالمية.

أصناف متنوعة: من أصيل الأرض المصرية إلى وافد متأقلم
تزخر المزارع المصرية اليوم بمجموعة رائعة من أصناف المانجو، بعضها أصيل ومتأصل في التربة المصرية، وبعضها الآخر أجنبي تم تكييفه بنجاح ليُلائم الظروف المناخية الفريدة لمصر. هذا التنوع يلبي أذواقًا مختلفة ويخدم أغراضًا متعددة، سواء للاستهلاك الطازج أو الصناعات التحويلية:مانجو الزبيب: أحد الأصناف الرئيسية التي تزرع بكثرة في مصر، وتشتهر بحجمها الكبير ولونها الأصفر الذهبي الساطع. تتميز بنكهتها الفاكهية الغنية وقوامها اللين وعصيرها الوفير. تنضج عادةً في فصل الصيف.
مانجو الفلبين: واحدة من الأصناف الأكثر شهرة وشعبية في السوق المصرية. تتميز بحجمها المتوسط ولونها الأصفر الفاتح، ونكهتها الحلوة المميزة. تتاح بكثرة في فصلي الربيع والصيف، وتستخدم على نطاق واسع في تحضير العصائر الطازجة والسلطات الصيفية.
مانجو الهادي: من الأصناف المحلية التي تُعد فخرًا للمزارعين المصريين. على الرغم من حجمها الصغير، إلا أنها تقدم نكهة فريدة تجمع بين الحلاوة والحمضية. تتميز بلونها الأخضر المشرق، وتكون ناضجة عادةً في فصل الربيع، وتستخدم على نطاق واسع في تحضير العصائر والحلويات.
مانجو الكيت: من أصناف المانجو الشهيرة التي اكتسبت مكانة مرموقة في مصر. تتميز بحجمها الكبير ولونها الأصفر الداكن، ونكهتها الحلوة والمميزة. تنضج في فصل الصيف، وتستخدم على نطاق واسع في صناعة المربى اللذيذة، العصائر المركزة، والمثلجات الباردة، مما يضيف قيمة اقتصادية كبيرة للمحصول.

أهمية اقتصادية وكنوز صحية: المانجو المصرية أكثر من مجرد فاكهة
تتجاوز أهمية المانجو في مصر مجرد كونها فاكهة لذيذة؛ إنها تشكل قطاعًا اقتصاديًا حيويًا، حيث تعتبر زراعة المانجو وتصديرها من أهم مصادر الدخل الزراعية في البلاد.يعمل آلاف المزارعين في هذا القطاع، مما يساهم في توفير فرص العمل ودعم سبل العيش للعديد من الأسر. يتم تسويق المانجو المصرية داخل السوق المحلية لتلبية الطلب المتزايد، ويتم تصديرها أيضًا إلى العديد من الدول حول العالم، مما يعزز من العملة الصعبة ويزيد من قيمة الصادرات الزراعية المصرية، كما يساهم القطاع بفعالية في النمو الاقتصادي للبلاد، ويعزز من سمعة مصر كمنتج زراعي رائد.
إلى جانب أهميتها الاقتصادية، تعد المانجو أيضًا غذاءً غنيًا بالفوائد الصحية التي لا يمكن إغفالها. فهي مصدر ممتاز للعديد من الفيتامينات والمعادن الضرورية لصحة الجسم. غنية بشكل خاص بـ فيتامين C، وهو مضاد للأكسدة يعزز الجهاز المناعي ويساهم في صحة الجلد.
كما أنها تحتوي على كميات جيدة من فيتامينA، الضروري لصحة البصر ونمو الخلايا، والبوتاسيوم، الذي يساهم في تنظيم ضغط الدم والحفاظ على وظائف القلب الطبيعية. بالإضافة إلى ذلك، تحتوي المانجو على مجموعة واسعة من مضادات الأكسدة الطبيعية التي تكافح الجذور الحرة في الجسم، وتساهم في تعزيز صحة القلب والأوعية الدموية، وتحسين الصحة العامة للجهاز المناعي، وتضفي نضارة على صحة الجلد.
