تقنية الطين النانوي السائل (LNC) Liquid
Nanoclay تمثل قفزة نوعية في مجال الزراعة الصحراوية
ومكافحة التصحر. حيث تعمل هذه التقنية على تحويل الرمال الصحراوية القاحلة إلى
تربة صالحة للزراعة وذات قدرة عالية على الاحتفاظ بالمياه والمغذيات.
جوهر الفكرة
بسيط، وتطبيقاتها معقدة لكنها فعالة للغاية. يتكون الطين النانوي السائل بشكل
أساسي من الماء وجزيئات طين نانوية دقيقة جدًا. عند رش
هذا السائل على التربة الرملية، تتسرب جزيئات الطين النانوية إلى مسام الرمال،
وتلتصق بحبيبات الرمل.
تُشكل هذه الجزيئات شبكة ثلاثية الأبعاد تحسّن بشكل كبير من
قدرة التربة على الاحتفاظ بالماء. فبدلاً من أن تتسرب المياه بسرعة عبر الرمال، تكون
طبقة الطين النانوي مثل "إسفنجة" تحتفظ بالرطوبة والمغذيات، مما يقلل
بشكل كبير من الحاجة إلى الري المتكرر.
تشير الدراسات في هذا الصدد إلى أن LNC يمكن أن يقلل من استهلاك المياه للري بنسبة تتراوح بين 50% إلى 77%.كما
أنها تعمل على زيادة خصوبة التربة وقدرتها على دعم نمو النباتات، مما يؤدي إلى
زيادة كبيرة في الغلة (تصل إلى 416% في بعض التجارب). كما تعمل تقنية LNC على تحسين صحة التربة، وتقلل من تسرب الأسمدة، وحماية التربة من الانجراف بفعل
الرياح.
أيضا يمكن لهذه التقنية تحويل
الأراضي الرملية إلى أراضٍ صالحة للزراعة في غضون ساعات قليلة، وهو أمر بالغ
الأهمية مقارنة بالطرق التقليدية التي تستغرق سنوات.
جانب أن
هذه التقنية تعتمد على مواد طبيعية (الماء والطين) ولا تستخدم مواد كيميائية
إضافية ضارة.
بالاطلاع وجد إن إحدى الشركة
النرويجية تعتبر من أبرز الشركات الرائدة في تطوير ونشر تقنية الطين النانوي
السائل LNC.
حيث قامت الشركة بتطبيق هذه التقنية بنجاح في العديد من المناطق الصحراوية، لا
سيما في دولة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى تجارب في مصر والصين
وباكستان.
على سبيل المثال شهدت الإمارات استخدامات واسعة لـ LNC في مشاريع زراعية ومناظر طبيعية حضرية، مثل "مدينة مصدر"، حيث ساهمت
التقنية في الحفاظ على المساحات الخضراء وتقليل استهلاك المياه بشكل كبير.
وفى
مصر تم إجراء تجارب ناجحة لتقنية LNC في مصر بالتعاون مع مراكز البحوث الزراعية
ممثلا في معهد بحوث الأراضي والمياه، وأظهر نتائج الدراسات إمكانات كبيرة لهذه
التقنية في تحويل الأراضي الرملية المصرية إلى أراضٍ منتجة.
بالإضافة
الى إن هناك تطبيقات تجرى على 20,000 شجرة مزروعة حديثًا في العراق، بهدف خفض
احتياجات الري وزيادة معدلات بقاء النباتات.
هذا وتُقدر فعالية LNC في تحسين التربة بحوالي 5 سنوات، وبعدها قد تحتاج التربة إلى إعادة معالجة بنسبة
15-20%، خاصة إذا تم تقليب التربة.
ومع ذلك، تُشير الآفاق المستقبلية لتقنية LNC إلى إمكانات هائلة في معالجة تحديات الأمن الغذائي وشح المياه والتصحر على مستوى
العالم.
إن قدرتها على تحويل الأراضي القاحلة بسرعة وكفاءة تجعلها أداة حيوية في
سياق تغير المناخ والحاجة الملحة لزيادة الإنتاج الزراعي المستدام.
الاستفادة من طمى النيل لإنتاج LNC
إن إمكانية الاستفادة من الطمي خلف السد العالي في إنتاج الطين النانوي السائل (LNC) هو موضوع واعد للغاية ويستحق الدراسة والبحث المكثف.
الطمي المتراكم خلف السد العالي يمثل ثروة طبيعية هائلة يمكن استغلالها بشكل فعال في العديد من التطبيقات، بما في ذلك إنتاج مواد نانوية مثل الطين النانوي السائل.
الأمر الهام فى الموضوع هل يقوم مركز البحوث الزراعية بإنشاء شركة استثمارية مشاركة مع القطاع الخاص بإنتاج LNC لاستخدامه في الأراضي الجديدة بمصر.
خصائص طمي النيل وإمكانية استخدامه في LNC
طمي النيل معروف بغناه بالمعادن الطينية الدقيقة، مثل المونتموريلونيت (Montmorillonite) ومعادن الطين الأخرى من مجموعة السميتايت (Smectite)، والتي تُعد مثالية لخصائص الاحتفاظ بالمياه والمغذيات.
هذه المكونات هي نفسها التي تُستخدم في إنتاج الطين النانوي السائل.
وقد أظهرت دراسات بالفعل فعالية حبيبات الطين النانوية المشتقة من التربة الطميية المصرية في إزالة أيونات المعادن من المياه، مما يؤكد جودة هذا الطمي كمصدر للمواد النانوية. كما تشير التقديرات إلى وجود كميات هائلة من الطمي خلف السد العالي، تصل إلى مئات الملايين من الأطنان.
هذه الكمية الضخمة تُشكل موردًا مستدامًا يمكن الاعتماد عليه لإنتاج LNC على نطاق واسع، وهو ما يمكن أن يساهم في مشاريع استصلاح الأراضي الصحراوية في مصر.
إن تطويع طمي النيل لإنتاج الطين النانوي السائل له العديد من الفوائد البيئية والاقتصادية المزدوجة منها على سبيل المثال لا الحصر حل مشكلة تراكم الطمى خلف السد العالي والذي يعد تحديًا هندسيًا وبيئيًا، حيث يقلل من السعة التخزينية لبحيرة ناصر وقد يؤثر على سلامة السد على المدى الطويل. كما إن استغلال هذا الطمي في إنتاج LNC سيُقدم حلًا لمشكلة التراكم هذه.
من ناحية أخرى فان هذا الاستخدام يقدم قيمة مضافة للطمى المتراكم خلف السد، وبدلًا من أن يكون الطمي مجرد "نفايات" أو "رواسب"، فإنه يتحول إلى مورد ذي قيمة اقتصادية عالية.
بالإضافة الى إن تحويل الطمى الى الطين النانوي السائل سيحقق دعم للأمن الغذائي، حيث أن استخدام LNC المنتج من الطمي في استصلاح الأراضي الصحراوية سيعزز الأمن الغذائي في مصر ويقلل الاعتماد على استيراد الغذاء.
هل هناك تحديات
محتملة لتحويل الطمى الى طين نانوى سائل؟
سؤال مهم يطرح نفسه فعلى الرغم من الإمكانيات الكبيرة التي تحدثنا عنها، فان هناك بعض التحديات التي يجب معالجتها مثل تكلفة الاستخراج والمعالجة والتي تتطلب معدات تكريك متخصصة لاستخراج الطمي من قاع البحيرة، وقد تكون التكاليف الأولية مرتفعة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن عملية تحويل الطمي الخام إلى جزيئات نانوية دقيقة تتطلب تقنيات معالجة متقدمة (مثل الطحن الكروي أو طرق أخرى لتصغير الحجم) والتي قد تكون مكلفة. لكن علماء مصر المتخصصين في علم النانوتكنولوجى الآن وعلماء الأراضي قادرين على طرح حلول يمكنها التغلب على هذه النقطة ولو على سبيل التدرج، أي مع الوقت يتم العمل على تقليص نفقات التحويل تباعا حتى نصل الى الكفاءة الاقتصادية المطلوبة.
على الجانب الأخر يجب تحديد الخصائص الدقيقة للطمي وذلك بإجراء دراسات مفصلة لتحليل التركيب المعدني والكيميائي الدقيق للطمي في مواقع مختلفة خلف السد العالي بالإضافة الى التجارب التي أجريت بالفعل.
حيث قد تختلف خصائص الطمي من منطقة لأخرى، وهذا سيؤثر على جودة المنتج النهائي من LNC وكفاءته.
إلا أن تطبيق هذه التقنية سوف يساعد على توطين التكنولوجيا الخاصة بتقنية إنتاج LNC محليا بما يتوافق مع المعايير العالمية. ليس هذا فحسب بل يجب عمل دراسات الجدوى الاقتصادية على نطاق واسع وشاملة لتقييم التكاليف مقابل الفوائد المتوقعة على المدى الطويل، بما في ذلك توفير المياه وزيادة الإنتاج الزراعي.
ا. د. فوزي محمد ابودنيا
المدير الأسبق لمعهد بحوث الإنتاج الحيواني
