أكد الدكتور حمادة شعبان، المشرف بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أننا نعيش اليوم في عصر الإنترنت، حيث تحوّل الفضاء الرقمي إلى ساحات مفتوحة للتأثير، وأصبحت المنابر الإلكترونية والصفحات والحسابات أكثر من مجرد وسائل للتواصل الاجتماعي، بل صارت منصات ضخمة تشكل العقول، توجه الرأي العام، وتبني المواقف والسلوكيات.
وأوضح أن هذه المنصات تمتلك إمكانات هائلة يمكن أن تجعلها جسورًا للتسامح ومنابر للعلم وساحات لنشر الوعي، لكنها في الوقت ذاته قد تتحول إلى أدوات لبث الكراهية والتحريض على العنف وإشعال الفتن وزعزعة استقرار المجتمعات، مشيرًا إلى أن خطاب الكراهية ليس مجرد كلمات عابرة، بل محرك قوي لتصرفات عدوانية على أرض الواقع.
واستشهد الدكتور حمادة بقول الله تعالى: «إنما يريد الشيطان أن يُوقع بينكم العداوة والبغضاء»، مؤكدًا أن ما نشهده اليوم من حملات تحريض عبر مواقع التواصل الاجتماعي يجسد هذه الحقيقة القرآنية، حيث يُستغل الغضب الجمعي لتوجيهه ضد فئات أو جماعات بعينها.
كما نبّه إلى تحذير النبي ﷺ من خطورة الكلمة بقوله: «وهل يكبّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم»، موضحًا أن الإنسان لم يعد له لسان واحد، بل صار يمتلك عشرات الألسنة عبر لوحات المفاتيح والهواتف المحمولة، التي تنقل الكلمة إلى ملايين البشر في ثوانٍ معدودة.
وأضاف أن المحتوى الرقمي لم يعد يقتصر على النصوص، بل تطور ليشمل الصور والفيديوهات وتقنيات الذكاء الاصطناعي، مما منحه قدرة هائلة على التأثير العاطفي وتغذية التعصب والحقد.
وأشار إلى أن الجماعات المتطرفة استغلت هذه الأدوات ببراعة لتجنيد الأفراد، عبر إنتاج مواد مصوّرة عالية الجودة تُقدَّم في قالب جذاب يشبه الإنتاج السينمائي.
وأوضح المشرف بمرصد الأزهر أن الإسلام حذّر من نشر الفتن وإثارة البلبلة، مستشهدًا بقوله تعالى: «وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به، ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم»، معتبرًا أن هذه الآية وضعت قاعدة ذهبية في التعامل مع الأخبار والمحتوى المثير، وهي التأني والتثبت قبل النشر وعدم ترك الساحة لمن يجيّش العواطف ويستغل الأحداث.
وفي سياق متصل، أشار الدكتور حمادة إلى أن من أبرز صور تصدير الكراهية اليوم هي الازدواجية الإعلامية الصارخة التي تنتهجها بعض المؤسسات الغربية في تناول القضية الفلسطينية، موضحًا أن كثيرًا من وسائل الإعلام الغربية تروّج للرواية الصهيونية، وتلبس المعتدي ثوب الضحية، بينما تجرّم الضحية الحقيقية المتمثلة في الشعب الفلسطيني الذي يدافع عن أرضه وحقوقه المشروعة.
وأكد الدكتور حمادة شعبان، أن هذه الازدواجية الإعلامية ليست مجرد خطأ مهني، بل تضليل متعمّد يوجّه الرأي العام ويزرع بذور الكراهية ضد العرب والمسلمين، مما يعزز بيئة عالمية غير عادلة، ويغذّي حالة من الاحتقان، ويُقوّض فرص الحوار والسلام الحقيقي.