الاستثمار الزراعي في إفريقيا، وكذلك التعاون الزراعي بين مصر والدول الإفريقية، يمثلان فرصة استراتيجية لتعزيز الأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية في كلا الجانبين, يبرز هذا التعاون بشكل ملحوظ في عدة جوانب من الزراعة، وتستفيد مصر من الموارد الطبيعية التي تتمتع بها القارة الإفريقية، مثل الأراضي الخصبة والموارد المائية، لتنفيذ مشروعات زراعية مشتركة.
نستعرض في هذا السياق العديد من المحاور المهمة التي تدور حول التعاون الزراعي المصري الإفريقي، تأثيرات التحالفات الاقتصادية، الفرص والتحديات التي تواجه القطاع الزراعي، بالإضافة إلى سبل تعزيز التعاون في هذا المجال.
أولًا: التعاون الزراعي المصري الإفريقي
يعتبر التعاون الزراعي بين مصر والدول الإفريقية خطوة هامة في إطار تعزيز الأمن الغذائي والتنمية المستدامة في القارة. تشمل أشكال التعاون الزراعي التي تعززها مصر مع الدول الإفريقية:المزارع النموذجية المشتركة: هذه المزارع تعمل كمنصات تدريبية وتعليمية للتقنيات الزراعية الحديثة التي طورتها مصر، مثل أنظمة الري الحديثة وتحسين الإنتاج الزراعي. بعض الدول التي تضم مزارع نموذجية مصرية تشمل الكونغو الديمقراطية، أوغندا، وزامبيا.
نقل التكنولوجيا الزراعية: مصر تساهم بتوفير الخبرات الفنية في مجالات الري بالتنقيط، الزراعة الذكية، وتحسين سلالات البذور.

الاستثمار الزراعي: شركات مصرية تشارك في استصلاح الأراضي الزراعية في دول مثل السودان والكونغو، حيث تزرع محاصيل استراتيجية مثل القمح، الذرة، والمحاصيل الزيتية.
التعاون في الأمن الغذائي: التصدير والاستيراد المتبادل للمحاصيل والسلع الغذائية يمثل جانبًا أساسيًا من هذا التعاون، مما يعزز من أمن غذائي مشترك في المنطقة.
ثانيًا: التحالفات الاقتصادية الإفريقية وتأثيرها على الاقتصاد الزراعي المصري
التحالفات الاقتصادية الإفريقية لها دور محوري في تسهيل التجارة بين مصر والدول الإفريقية. من أبرز هذه التحالفات:الكوميسا (COMESA): السوق المشتركة لدول شرق وجنوب إفريقيا تسهل التبادل التجاري، بما في ذلك الصادرات الزراعية، من خلال إزالة الحواجز الجمركية بين الدول الأعضاء.
الاتحاد الإفريقي (AU) واتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA): هذه الاتفاقية تعزز من التكامل الاقتصادي بين الدول الإفريقية، وتتيح لمصر فرصة التصدير إلى سوق يضم أكثر من 1.2 مليار شخص بدون رسوم جمركية.

الإيجاد (IGAD): رغم أن مصر ليست عضوًا مباشرا، إلا أن التعاون في مجالات الأمن والتنمية الإقليمية يعزز الاستقرار التجاري في المنطقة.
ثالثًا: التحديات التي تواجه التعاون الزراعي بين مصر والدول الإفريقية
على الرغم من الفرص الكبيرة، هناك العديد من التحديات التي قد تعيق تعزيز التعاون الزراعي المصري الإفريقي، ومن أبرزها:ضعف البنية التحتية: بعض الدول الإفريقية تعاني من ضعف في البنية التحتية الأساسية مثل الطرق والموانئ، مما يؤثر على نقل المنتجات الزراعية.
التحديات السياسية والأمنية: القضايا السياسية في بعض المناطق الإفريقية قد تؤثر على استقرار بيئة الأعمال، مما يجعل الاستثمارات الزراعية في بعض الدول أكثر تحديًا.

المنافسة من دول أخرى: هناك منافسة قوية من دول مثل الصين وتركيا والهند التي تقدم عروضًا جذابة للدول الإفريقية في مجالات الزراعة والاستثمار.
رابعًا: توصيات لتعزيز التعاون الزراعي المصري الإفريقي
لتعظيم الاستفادة من التعاون الزراعي، يمكن اتخاذ بعض الخطوات الاستراتيجية، مثل:تعزيز الدبلوماسية الزراعية: من خلال ملحقين زراعيين في السفارات المصرية لدعم التعاون الزراعي بين مصر والدول الإفريقية.
زيادة التمويل لمبادرات التعاون الزراعي: تشجيع الاستثمار الخاص والعام في المشروعات الزراعية المشتركة، خاصة في دول مثل السودان والكونغو.

تطوير البنية التحتية اللوجستية: من خلال تطوير شبكات النقل والموانئ لتسهيل حركة السلع الزراعية بين مصر والدول الإفريقية.
تشجيع البحث العلمي: دعم البحوث الزراعية المشتركة في مجالات مقاومة الآفات وتحسين سلالات البذور.
خامسًا: الفرص الاستثمارية في القطاع الزراعي الإفريقي
إفريقيا تعتبر من أكبر الأسواق الزراعية في العالم، وتوفر فرصًا استثمارية هائلة في عدة مجالات:زراعة الحبوب: مثل القمح، الذرة، والأرز، وهي محاصيل استراتيجية في العديد من الدول الإفريقية.
إنتاج الفاكهة والخضروات: مثل الموز، الطماطم، والبطاطس، حيث تتمتع دول مثل كينيا وتنزانيا بظروف مناخية مناسبة لهذا النوع من الزراعة.

الثروة الحيوانية: الإفراط في إنتاج اللحوم، الألبان، والجلود يمكن أن يعزز التجارة الزراعية بين مصر ودول إفريقيا.
سادسًا: دور مصر في تطوير الزراعة الإفريقية
مصر يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في تطوير الزراعة في إفريقيا من خلال:نقل التكنولوجيا الزراعية: دعم الدول الإفريقية بتكنولوجيا الري الحديث وتحسين الإنتاج الزراعي باستخدام التقنيات المتطورة.
الاستثمار في تربية الماشية: خاصة في دول مثل السودان وتشاد التي تمتلك إمكانيات كبيرة في مجال الثروة الحيوانية.

تعزيز سلاسل القيمة الزراعية: من خلال إقامة شراكات مع القطاع الخاص لإنتاج المحاصيل الغذائية في الدول الإفريقية.
سابعًا: المزارع المشتركة كأداة للتعاون الزراعي
المزارع المشتركة تعتبر من الأدوات الفعالة لدعم التعاون الزراعي بين مصر والدول الإفريقية. هي مشروعات تقوم مصر بإنشائها في دول مثل النيجر، الكونغو، وزامبيا، بهدف:نقل الخبرات والتكنولوجيا الزراعية.
تدريب وتطوير المهارات المحلية.
تحقيق الأمن الغذائي من خلال زراعة المحاصيل الاستراتيجية.

يعد التعاون الزراعي بين مصر والدول الإفريقية مجالًا واعدًا للاستثمار والتنمية، حيث يمكن أن تساهم مصر بشكل كبير في تعزيز الإنتاج الزراعي في القارة الإفريقية. من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتوسيع الاستثمارات الزراعية، وتسهيل حركة التجارة الزراعية بين الدول، يمكن أن يساهم هذا التعاون في تحسين الأوضاع الاقتصادية لكل من مصر ودول القارة الإفريقية.
اعداد الاستاذ الدكتور علي ابراهيم
الاستاذ بمركز البحوث الزراعية