السبت، 26 ربيع الثاني 1447 ، 18 أكتوبر 2025

الدكتور فوزى محمد ابودنيا يكتب .. محاور استراتيجية لقطاع الأعلاف

الدكتور  فوزى أبودنيا
الدكتور فوزى محمد ابودنيا المدير الأسبق لمعهد بحوث الإنتاج الحيوانى
أ أ
techno seeds
techno seeds
تعتمد استراتيجية تأمين قطاع الأعلاف والتغلب على على أى أزمات علفية تواجه هذا القطاع القيام بالعمل على عدة محاور  يمكن سردها فى النقاط التالية:

الجزء الأول : تحليل وضع قطاع الأعلاف للثروة الحيوانية


1. تحليل وتقييم الوضع الحالي للفجوة العلفية في مصر

بعتبر تحليل وتقبيم الوضع الحالى للغجوة العلفية لقطاع الثروة الحيوانية بمصر أحد المحاور الهامة حيث يتم عمل تقييم شاملاً لمصادر الأعلاف التقليدية (الذرة، الصويا، الشعير، البرسيم، الخ) وذلك مقارنة بإجمالي الاحتياجات الغذائية للثروة الحيوانية والداجنة والسمكية.

يعد الهدف الاساسى من هذا الغرض تحديد مقدار الإعتماد على الاستيراد، وتحديد النقاط الحرجة في سلسلة التوريد التي تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتذبذبها.

2. التحديات الخاصة بقطاع الثروة الداجنة

فى الواقع بعتبر قطاع الدواجن (اللحم والبياض) المستهلك الأكبر للأعلاف المركزة (التي تعتمد على الذرة والصويا). بالنظر الى موازنة الدواجن والاحتياجات الغذائية، يتم حساب عدد الطيور سنوياً (بياض وتسمين، والأنواع الأخرى) وتحديد كمية البروتين والطاقة اللازمة لها.

هذا يترجم إلى كميات الأطنان من الذرة والصويا التى يتم استيرادها سنويا مما يسبب ضغط كبير على الموازنة العامة للدولة نظرا لاستيرادها بالعملة الصعبة.

فى الواقع يعتبر تذبذب أسعار الخامات المستوردة، سبب رئيس فى ارتفاع تكلفة الأعلاف التى تمثل 70% تقريباً من تكلفة الإنتاج الكلية، والحاجة لتطوير علائق اقتصادية تحقق أفضل معامل تحويل غذائي.

من أجل ذلك تهتم الدولة بالتوسع في الزراعات التعاقدية خاصة للذرة، كذلك البحث عن مصادر بروتين محلية بديلة للصويا (مثل الحشرات أو الطحالب)، بغرض رفع كفاءة استخدام العلف (Feed Efficiency).

3. الوضع العلفي فى قطاع الثروة السمكية


يحتاج قطاع الأسماك أعلافاً ذات محتوى بروتيني عالٍ ومكونات محددة (مثل الأحماضالامينية و الدهنية الأساسية).
من اجل ذلك يجب ان يتم عمل موازنة الأسماك والاحتياجات الغذائية لها وذلك عن طريق تحديد كميات وأنواع الأسماك الرئيسية في المزارع (بلطي، بوري، مبروك) واحتياجاتها من علائق البادئ والنمو.

فى هذا الشان نجد ان الاعتماد على مسحوق السمك أو مركزات الصويا كمصدر للبروتين، يؤدى لارتفاع تكلفة إنتاج الأعلاف خاصة الطافية منها، لذا كان كان من الضرورى استخدام مصادر بروتين مبتكرة ومستدامة مثل بروتين الحشرات وبعض أنواع الطحالب لتقليل تكلفة العلف السمكي.

4. التحديات التي تواجه قطاع الماشية والمجترات الصغيرة

هذا القطاع يستهلك الأعلاف الخشنة (الأتبان والدريس) والأعلاف المركزة. ويتم عمل موازنة علفية للماشية وتحديد الاحتياجات الغذائية وذلك عن طريق تقدير أعداد الأبقار والجاموس والأغنام والماعز واحتياجاتها من علائق الألبان والتسمين وحفظ الحياة.

فى الواقع يعتبر نقص الأعلاف الخشنة (مثل التبن ضعيف القيمة الغذائية) أو تدني جودتها وارتفاع أسعارها في غير مواسم الحصاد أحد التحديات الهامة الواجب وضعها فى الإعتبار.

من جهة اخرى فإن نقص المراعي الطبيعية يعتبر احد العوامل المؤثرة على تكاليف تغذية الماشية و سد الفجوة العلفية. بالنسبة للمتبقيات الزراعية الليفية يتم عمل المعالجة الكيميائية أو البيولوجية للمتبقيات الزراعية لرفع قيمتها الغذائية.

بالإضافة إلى ذلك يتم التوسع في زراعة محاصيل الدريس عالية الجودة (مثل البرسيم المصرى و البرسيم الحجازي)، وإعداد علائق متكاملة (TMR) تستفيد من جميع المكونات المتاحة.

الجزء الثاني: الحلول الإنتاجية والابتكار التكنولوجي الخاصة بالتنفيذ الفني


يركز هذا الجزء على كيفية زيادة الإنتاج المحلي والاستفادة من المصادر غير التقليدية.

1. تعزيز الناتج المحلي من محاصيل الأعلاف التقليدية

التركيز على تحسين إنتاجية الأراضي المزروعة بمحاصيل الأعلاف التقليدية.
وفى هذا المقام لابد أن نذكر أن الدولة تعمل على تعزيز الاتجاهات الحديثة للنهوض بمحصول الذرة والصويا وذلك بالاعتماد على استخدام هجن جديدة عالية الإنتاجية وقصيرة الأجل، وتطبيق تقنيات الزراعة الدقيقة لترشيد المياه والأسمدة، والتوسع في الزراعة التعاقدية لضمان التسويق. 

كذلك التوجه نحو  الزراعة الذكية مناخياًعن طريق اختيار أصناف تتحمل الجفاف والحرارة والملوحة لتقليل المخاطر المرتبطة بالتغيرات المناخية.

2. رؤية استراتيجية قومية للاستفادة من المتبقيات الزراعية

التحول من اعتبار المتبقيات الزراعية مشكلة إلى اعتبارها ثروة علفية كامنة أحد أوجه التعزيز لسد الفجوة العلفية.
ويحدث ذلك عن طريق إنتاج الأعلاف على المستوى الحقلي عند المربيين وذلك بتدريبهم على تقنيات تحويل القش والأتبان وحطب الذرة إلى أعلاف ذات قيمة عبر صناعة السيلاج (للحفاظ على القيمة الغذائية) أو استخدام المعاملات بالاثراء  لزيادة هضمية الألياف.
على الجانب الآخر يتم النظر فى مستجدات الأعلاف غير التقليدية والمبتكرة وذلك عن طريق البحث والتطوير في استخدام مصادر جديدة بالكامل مثل:
بروتين الحشرات: إنتاج مسحوق بروتيني عالي الجودة من يرقات الحشرات لتغذية الدواجن والأسماك.
الطحالب الدقيقة: كبديل للبروتين والدهون.
الخمائر والبكتيريا: كمكملات بروتينية وفيتامينية.

3. تكنولوجيا تصنيع الأعلاف وتحسين كفاءتها

ضمان الجودة وتقليل الفاقد في مراحل ما بعد الحصاد والتصنيع من النقاط الهامة فى استراتيجية الأعلاف. حيث يجب الإهتمام بالتخزين وإدارة المخزون وذلك عن طريق تطبيق أساليب تخزين حديثة ومراقبة مستمرة للرطوبة ودرجة الحرارة لمنع نمو السموم الفطرية (الأفلاتوكسينات) التي تسبب خسائر اقتصادية وصحية. الى جانب ذلك يجب المراقبة وإدارة الجودة عن طريق إنشاء نظام تتبع دقيق (من الحقل إلى المزرعة) لضمان جودة المواد الخام والمنتج النهائي، وتطبيق إجراءات صارمة لسلامة الأعلاف.

الجزء الثالث: السياسات، البنية التحتية، ونقل المعرفة، وهذا ما يسمى التمكين المؤسسي


يركز هذا الجزء من استراتيجية تنمية القطاع العلفى على الأطر التنظيمية، اللوجستية، وتنمية القدرات البشرية والتى تتمثل فى النقاط التالية:

1. السياسات والاستراتيجيات الداعمة لتقليص الفجوة العلفية

اتباع نهج جديد فى التشريع والدعم الحكومي وذلك عن طريق تعزيز دور المزارع الكبيرة بحيث يتم تحفيز المزارع المتكاملة لزراعة احتياجاتها من الأعلاف محلياً لتخفيف الضغط على السوق وتقليل مخاطر سلاسل الإمداد العالمية.

وفى هذا الصدد نطرح توصيات باستخدام محصول البطاطا والفائض عن إحتياجات مصانع بنجر السكر عن طريق فرمها وتجفيفها فى صورة حبيبات وتعبئتها واستخدامها بديلا لحبوب الذرة حتى نسبة ٥٠% من العلائق المركزة.

تتسم هذه المنتجات بثبات قيمتها وبالتالى يمكن أن تحقق استدامة وتسهل من الإستخدام فى مصانع الأعلاف وفى المزارع وعند المربيين.
ان تحقيق تطبيق هذه التقنية سوف يحد من فاتورة الاستيراد الذرة بشكل كبير ويمكننا من خلالها سد فجوة الطاقة من حبوب الذرة.

على الجانب الآخر يجب ان يتم تعضيد دور مراكز إنتاج الألبانوذلك بتحويل هذه المراكز إلى بؤر إرشادية وتجهيز علائق تخدم صغار المربين، حيث يمكنهم جلب خاماتهم الزراعية ليتم خلطها وتجهيزها بتركيبات محسوبة علمياً (مراكز خدمات متكاملة).

2. بناء وتعزيز منظومة قومية لسلاسل التوريد والإمداد للأعلاف

وياتى ذلك عن طريق توفير الأعلاف بالجودة والسعر المناسب للمربين الصغار. ويتم تحقيق ذلك عن طريق إطلاق منظومة قومية حيث يجب إنشاء نظام لوجستي وتوزيع مركزي يضمن وصول الأعلاف ذات الجودة العالية للمربين في الأماكن النائية بسعر عادل، متجاوزاً حلقات التداول المعقدة.

من ناحية اخرى وجوب الربط الاستراتيجي وذلك بربط هذه المنظومة بمشاريع تنموية كبرى مثل مشروع البتلو ومراكز تجميع الألبان لضمان استدامة الإنتاج في هذه المشاريع الحيوية.

3. بناء القدرات ونقل المعرفة (المزارع – التصنيع – التسويق)

فى هذا الخصوص يجب الاستثمار في العنصر البشري لضمان تطبيق الحلول عن طريق العمل فى عدة اتجاهات مثل تفعيل الدور الإرشادي بوزارة الزراعة وذلك بتطوير برامج تدريبية متخصصة ومكثفة لتعليم المزارعين تقنيات تحسين الأعلاف المحلية (استخدام المتبقيات) وترشيد الاستهلاك.

بجانب ذلك بجب تعزيز دور منظمات المجتمع المدني وذلك بإشراك الجمعيات الأهلية والتعاونية في تقديم الخدمات الإرشادية والتدريبية للمربين، مما يزيد من انتشار المعرفة ويقلل من الأعباء التشغيلية على الجهات الحكومية.

4. دور المناطق القاحلة في توفير الأعلاف

يعتبر استغلال الأراضي غير التقليدية في حل مشكلة الأعلاف من العناصر الهامة فى سد الفجوة العلفية ويتم ذلك من خلال عدة جوانب منها الاهتمام بزراعة النباتات العلفية المتحملة حيث يتم التوسع في زراعة محاصيل علفية يمكنها النمو في الأراضي الهامشية أو باستخدام مياه مالحة أو معالجة، مثل بعض أنواع النباتات الرعوية والملحية (الأشجار العلفية، الليوسينا، الكنوا، بعض أنواع البونيكام).

بالإضافة إلى ذلك يجب تربية السلالات الحيوانية المتأقلمة وذلك بتوجيه الاستثمار نحو تربية سلالات حيوانية (خاصة الأغنام والماعز) ذات قدرة عالية على التأقلم مع ظروف المناطق القاحلة والاستفادة من الأعلاف غير التقليدية.

5. دور التكنولوجيا الحديثة واستخدام AI في دورة إنتاج وتصنيع وتقييم الأعلاف

يعتبر تطبيق التكنولوجيا الحديثة لرفع الكفاءة وتقليل الهدر من الوسائل الهامة لمجابهة الفجوة العلفية وذلك عن طريق ترشيد وخفض التكاليف في المزارع الكبيرة وذلك عن طريق استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي في صياغة العلائق (Feed Formulation) للحصول على أعلى قيمة غذائية بأقل سعر يومي، وتتبع سلوك الحيوانات لتحديد كمية العلف المثالية وتجنب الإفراط في التغذية.

الاهتمام بمساعدة صغار المربين عن طريق تطوير تطبيقات وبرامج بسيطة تستخدم الذكاء الاصطناعي لتقديم توصيات علفية وإرشادية فورية، ومساعدتهم على مقارنة أسعار الخامات وتحسين علائقهم الخاصة. كما يجب ان نعلم ان استخدام تقنيات AI يمكن ان تبدأ من الحقل وحتى المدود.
هذه المحاور تمثل خريطة طريق شاملة تستهدف تحقيق الأمن العلفي كركيزة أساسية للأمن الغذائي القومي.

ا. د. فوزى محمد ابودنيا
المدير الأسبق لمعهد بحوث الإنتاج الحيوانى
اشترك في قناة اجري نيوز على واتساب اشترك في قناة اجري نيوز على جوجل نيوز
icon

الأكثر قراءة