الأربعاء، 29 ذو الحجة 1446 ، 25 يونيو 2025

د. فوزى محمد أبودنيا يكتب... التوترات والنزاعات الإقليمية واثارها على الثروة الحيوانية والمنتجات الحيوانية في مصر

WhatsApp Image 2025-06-25 at 10.23.40 AM
د. فوزى محمد أبودنيا يكتب... التوترات والنزاعات الإقليمية واثارها على الثروة الحيوانية والمنتجات الحيوانية في مصر
أ أ
techno seeds
techno seeds
يشهد الشرق الأوسط الفترة الحالية تصاعد فى التوترات الجيوسياسية، حيث تتواصل الاشتباكات المتقطعة والصراعات بالوكالة بين إيران وإسرائيل، على الرغم من عدم وجود حرب مباشرة شاملة حتى الآن، إلا أن هذه التوترات تحمل في طياتها مخاطر جسيمة قد تؤثر بشكل كبير على استقرار المنطقة بأسرها، مصر، كلاعب إقليمي رئيسي ومركز حيوي للتجارة، لن تكون بمنأى عن هذه التأثيرات.

يعتبر قطاع الثروة الحيوانية والمنتجات الحيوانية في مصر ركيزة أساسية للأمن الغذائي القومي، وأي اضطراب في هذا القطاع يمكن أن تكون له عواقب غير مرغوبة. حيث يكون هناك تأثرات محتملة للجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والزراعية لمثل لهذه التوترات مما ينعكس على الثروة الحيوانية في مصر.

يعتبر ارتفاع تكاليف الأعلاف ومستلزمات الإنتاج خاصة المستوردة منها كنتيجة لاضطراب سلاسل الإمداد، من المعروف أن مصر تعتمد بشكل كبير على استيراد معظم احتياجاتها من الأعلاف الرئيسية مثل الذرة الصفراء وكسب الصويا.

بالإضافة إلى الأدوية البيطرية واللقاحات والمكملات الغذائية من الأسواق العالمية، وبالتالى فانه من المتوقع ان أي تصعيد في التوترات الإقليمية قد يؤدي إلى حدوث تأثيرات على حركة الملاحة الدولية، خاصة في الممرات المائية الحيوية وهو ما يرفع تكاليف الشحن والتأمين البحري بشكل مباشر.

على جانب آخر تؤدي المخاوف الجيوسياسية إلى أسعار الطاقة، مما يتسبب فى زيادة تكاليف الإنتاج والنقل لكافة السلع، ومنها الأعلاف بالطبع، كما أن أي نقص في المعروض العالمي أو تحويل مسارات الشحن نتيجة التوترات سيدفع إلى ذلك.

كنتيجة لارتفاع أسعار المدخلات سوف ينعكس ذلك على زيادة تكلفة المنتجات الحيوانية من إنتاج اللحوم الحمراء والبيضاء ومنتجات الألبان والبيض، هذا الوضع سيضع ضغوطاً هائلة على المربين وصغار المنتجين، وقد يدفع العديد منهم إلى تقليص الانتاج او تصفية القطعان كنتيجة لعدم قدرتهم على تغطية التكاليف، مما يهدد استمرارية الإنتاج المحلي.

بالطبع ستنعكس الزيادة في تكاليف الإنتاج بشكل مباشر على أسعار المنتجات الحيوانية في السوق المحلي. هذا يعني ارتفاعا متوقعا فى أسعار اللحوم والألبان والبيض وهي سلع أساسية على مائدة الأسرة المصرية.

فى نفس السياق سيؤثر التضخم وارتفاع الأسعار بشكل مباشر على  قدرة المواطن الشرائية على وجه الخصوص أصحاب الدخل المحدود والمتوسط. ونتيجة لذلك سيعمل الكثير من الناس على خفض استهلاكهم من البروتين الحيوانى أو البحث عن بدائل غذائية أقل تكلفة، مما يؤثر على جودة التغذية. ان أخطر ما فى هذا الأمر هى حالة عدم اليقين والتوترات المستمرة والتى تثبط عزيمة المستثمرين المحليين والأجانب عن ضخ رؤوس أموال جديدة في قطاع الثروة الحيوانية والداجنة والسمكية، مما قد يعوق أي خطط للتوسع أو تطوير البنية التحتية.

بالإضافة إلى ذلك قد تواجه الصادرات المصرية من بعض المنتجات الحيوانية صعوبات بسبب ارتفاع تكاليف الشحن وتغير ديناميكيات الأسواق الدولية.


كما أن واردات مصر من اللحوم المجمدة والدواجن لسد الفجوة المحلية ستتأثر بارتفاع الأسعار العالمية وصعوبات الاستيراد، تلك التأثيرات الإقتصادية سوف تتسبب فى تراجع الإنتاج المحلي وارتفاع أسعار الاستيراد تؤدى لحدوث نقص فى توفير  البروتين الحيوانى.

مما يؤثر على الأمن الغذائي خاصة في الفئات الأكثر ضعفاً، الأخطر من ذلك أن تلك الضغوط الاقتصادية قد تدفع بعض المنتجين إلى التنازل عن معايير الجودة أو استخدام مكونات أقل جودة في الأعلاف، هذا الأمر يكون له تأثير سلبى على سلامة وصحة المنتج الحيوانى النهائي مما يزيد من مخاطر الأمراض المنقولة بالغذاء.

علاوة على ما سبق فإن قطاع الثروة الحيوانية يوفر فرص عمل لعدد كبير من المهندسين الزراعين والمزارعين والبيطريين وعمال المزارع ومصانع الأعلاف والمجازر والتجار.

وبالتالي فإن أي تراجع في هذا القطاع سيؤدي إلى تأثر عدد كبير من العمالة وتزداد البطالة ومعدلات الفقر في المجتمعات الريفية والحضرية. حيث تعتمد العديد من الأسر الريفية بشكل كبير على الثروة الحيوانية كمصدر دخل رئيسي.

يدفع هذا الوضع للتوسع في زراعة محاصيل الأعلاف محلياً، في محاولة لتعويض نقص الأعلاف المستوردة. مما يضع ضغوط أكبر على الموارد المائية الصحيحة وتأثر المحاصيل المنافسة الأخرى.

وزيادة إنتاج الأعلاف يحتاج لزيادة الأسمدة واستنزاف التربة نتيجة التكثيف الزراعي غير المستدام لزيادة إنتاج الأعلاف. من المخاطر المرتبطة بهذا الأمر ايضا، أنه إذا لجاء المربون لتصفية أعداد كبيرة من الحيوانات نتيجة للأزمة، فقد تظهر مشكلة بيئية وصحية كبرى تتعلق بالتخلص الأمن من المتبقيات الزراعية مما قد يؤدي إلى تلوث التربة والمياه، انتشار الروائح الكريهة، وتكاثر الحشرات والقوارض.

وانتشار الامراض الحيوانية، أيضأ نقص الأعلاف وارتفاع أسعارها سيؤديان إلى سوء التغذية وضعف مناعة الحيوانات مما يزيد من معدلات النفوق وتراجع الإنتاجية من ( اللحوم والألبان).

كما ان نقص الأدوية واللقاحات البيطرية نتيجة الاثار الإقتصادية، يؤدى لتدهور الظروف الصحية في المزارع، مما يجعل الثروة الحيوانية أكثر عرضة لتفشى الأمراض والأوبئة مما يتسبب عنه خسائر اقتصادية فادحة للمربين والدولة. يؤدي هذا الوضع إلى انخفاض كبير في أعداد الماشية والأغنام في البلاد. هذا يؤثر على إعادة بناء القطعان لاحقاً.

إن استمرار وتصاعد التوترات فى المنطقة يمثل تهديداً خطيراً للأمن الغذائي والاقتصادي في مصر، خاصة فيما يتعلق بقطاع الثروة الحيوانية والمنتجات الحيوانية.


لذلك، من الضروري أن تهتم مصر باتخاذ إجراءات استباقية للتخفيف من هذه المخاطر:

1- العمل على بناء احتياطي استراتيجي من الأعلاف الرئيسية (الذرة، الصويا) والمواد الخام والمستلزمات البيطرية تكفي لعدة أشهر.
2- يجب العمل على توسيع وتنوع مصادر استيراد مستلزمات الانتاج الحيوانى بعيدا عن المسارات الساخنة.
3- تطوير البحوث الخاصة بزراعة المحاصيل المرتبطة بإنتاج خامات الاعلاف، وإدخال محاصيل تتكيف مع الظروف المناخية المصرية وتستهلك كميات أقل من المياه.

4- العمل على تقليل الفاقد في سلسلة القيمة، وتطوير سبل تصنيع الأعلاف.
5- توفير الدعم اللوجستي للمربين، لمساعدتهم على تحمل ارتفاع التكاليف وتوفير مستلزمات الانتاج اللازمة لقطعانهم.
6- التركيز على الأبحاث الهادفة لتحسين كفاءة التحويل الغذائي للحيوانات وتقليل استهلاك الأعلاف، وتحسين السلالات المحلية الأكثر ملائمة للظروف المحلية ومقاومة للأمراض.

7- العملية الإرشادية لتوعية المواطنين بأهمية الترشيد في الاستهلاك، للأعلاف وتقديم إرشادات حول البدائل الغذائية الصحية والاقتصادية.


د. فوزى محمد أبودنيا  
مدير معهد بحوث الإنتاج الحيوانى سابقا
اشترك في قناة اجري نيوز على واتساب اشترك في قناة اجري نيوز على جوجل نيوز
icon

الأكثر قراءة