أذاع برنامج "مع الناس" المذاع على قناة الناس، اليوم الأحد، مقطعًا نادرًا لفضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي – رحمه الله – تحدث فيه عن مفهوم التجارة في الإسلام وشرط "التراض" في المعاملات والعقود، مستشهدًا بقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ".
وأوضح الشعراوي أن كلمة "التجارة" جامعة لكل صور الحركة بين الإنتاج والاستهلاك، فالتاجر وسيط بين المنتج والمستهلك، سواء كانت السلعة زراعية أو صناعية أو غيرها، وأن كلمة "عن تراض" تدل على أن رضا النفس البشرية شرط أساسي في المعاملة، بحيث لا يكون الرضا مجرد إذعان أو قبول تحت ضغط أو "سيف الحياء"، مؤكدا أن حتى ما أُخذ بسيف الحياء يعد حرامًا.
وبيّن أن رضا النفس يعني القبول الداخلي غير المكره، فقد تقبل الجوارح شيئًا وهي مضطرة لكن النفس لا ترضى به، وحينها يكون الأخذ بالباطل، مستشهدا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته فأقضي له من حق أخيه شيئًا، فإنما أقطع له قطعة من النار"، موضحًا أن حتى حكم الرسول صلى الله عليه وسلم لا يغيّر حقيقة الحرام إلى حلال إذا كان صاحبه يعلم أنه أخذ حقًا ليس له.
و دعا كل إنسان أن "ينخل" الأمور ويتأكد أن حياته ومعاملاته تقوم على أعواض متقابلة بالرضا، لأن كثيرًا من الأحكام قبلها أصحابها وهم غير راضين، والفساد في المجتمعات يأتي من هذه الحالات.
وضرب مثالاً بمشكلة الإيجارات القديمة، موضحًا أنه إذا كان شخص يستأجر بيتًا بمبلغ زهيد منذ ثلاثين عامًا، وحياته قائمة على هذا الوضع، ثم تغيرت الظروف وارتفعت الأسعار بينما دخل المؤجر لم يتغير، فإن ذلك يثير مسألة الرضا، داعيا إلى مراعاة هذا المبدأ في جميع المعاملات، مؤكدًا أن من ينتفع بحق دون رضا الطرف الآخر قد يعاقبه الله بسلب النعمة أو الابتلاء بالمرض أو الخسارة، حتى يبرئ ذمته.
وحذر من مخالفة أمر الله في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ"، مؤكدًا أن البركة والاستقرار لا يتحققان إلا بالرضا المتبادل.
وفي تعليقه، قال الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن الرضا – أو ما يسميه الفقهاء "الإيجاب والقبول" – هو الركيزة الأساسية في كل العقود، وأن من مقاصد العقد رفع الحرج ودفع الضرر، فإذا تحقق الشكل القانوني أو الشرعي للعقد دون تحقيق هذه المقاصد، فإنه لا يحقق الغاية المرجوة.
وأشار إلى أن هذا المبدأ ينطبق على جميع المعاملات، كبيرة كانت أو صغيرة، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار"، مؤكّدًا أن الحق يشمل المسلم وغير المسلم، وأن المعيار هو تحقيق الرضا الحقيقي بين الأطراف.