أ
أ
استمعنا في الأساطير والحكايات القديمة إلى روايات كثيرة تتحدث عن قدرة الحيوانات على التنبؤ بالخطر واقترابه قبل وقوعه، وكأنها تمتلك "حاسة سادسة" مجهولة المصدر.
فهل هذه القدرة حقيقة مثبتة علميًا، أم هي مجرد خرافة لا وجود لها إلا في الروايات؟
الحقيقة العلمية تؤكد هذه الظاهرة بالفعل، إذ تبين من عدة دراسات وأبحاث أن هناك حيوانات تمتلك قدرات مدهشة تساعدها في كشف المخاطر والكوارث الطبيعية قبل وقوعها بزمن لا بأس به، مما يمنحها فرصة للنجاة بنفسها أو حماية أفراد مجموعتها من الأخطار المحتملة.
إذا كنت متشوقًا لمعرفة هذه الظاهرة المدهشة وتفسيرها، تابع معي القراءة لتكتشف الحيوانات التي تمتلك هذه القدرة المذهلة وكيفية استخدامها لها.

الفيلة: قدرة مذهلة على استشعار الزلازل قبل الإنسان
لاحظ باحثون خلال العقود الأخيرة سلوكيات غريبة لدى الفيلة قبل وقوع الهزات الأرضية والزلازل. فهي تقوم فجأة بإصدار أصوات قلقة والابتعاد إلى مناطق مرتفعة أو إلى أماكن أكثر أماناً قبل حدوث الزلزال أحياناً بساعات. تعود هذه القدرة المدهشة إلى حساسية الفيل الهائلة للذبذبات تحت الصوتية التي تمتاز بها أقدامه وآذانه، ما يجعله يستشعر الاهتزازات الأرضية الخفيفة جدًا التي لا يشعر بها البشر، ويتنبأ بالزلزال قبل وقوعه بفترة كافية للابتعاد عن مركز الخطر.ومن أشهر الأمثلة هو حدوث زلزال تسونامي المدمر في جنوب شرق آسيا عام 2004، حيث ذكرت التقارير اختفاء الفيلة والهروب إلى التلال المرتفعة قبل حدوث الزلزال بفترة وجيزة ما أكّد قدرة هذا الكائن الضخم على الاستشعار المبكر.

الكلاب والقطط: حيوانات أليفة تحذر البشر من الأخطار
تتمتع الكلاب والقطط بقدرة كبيرة على التنبؤ بالمخاطر والكوارث الطبيعية، ويمكن رصد تغير سلوكها في كثير من الأحيان قبل حدوث الزلازل أو حتى العواصف القوية. تشير دراسات عديدة إلى أن الكلاب والقطط تصبح قلقة للغاية قبل ساعات من وقوع الهزة الأرضية، وتبدأ في التصرف بغرابة مثل الاختباء تحت الأثاث أو رفض الخروج إلى الخارج مصدرةً أصواتًا مضطربة تنبئ محيطها بأمرٍ طارئ.إن امتلاك هذه الحيوانات لحاسة سادسة يعود إلى طبيعة حواسها القوية مثل حاسة السمع الأكثر دقة، والشعور بأقل التغيرات في ضغط الجو أو الاهتزازات تحت الأرض، وهو ما يجعلها تنبّه أصحابها وتنقذهم أحيانًا من أخطار حقيقية.

الدولفين: البحار الخبير الذي يتحسس العواصف والتسونامي
الدولفين من الحيوانات البحرية التي تملك قدرة فريدة لا يشعر بها الإنسان، فهو يملك نظامًا قويًا من الموجات فوق الصوتية (سونار طبيعي)، هذه القدرة تساعده في تحديد التغييرات في محيطه بشكل استثنائي وفي التنبؤ بالأحداث قبل وقوعها، كالعواصف وتسونامي.لاحظ الباحثون في أكثر من مناسبة توجه أسراب من الدلافين إلى المياه العميقة قبل وصول موجات التسونامي أو العواصف الكبرى، الأمر الذي ساهم كثيراً في نجاة هذه الحيوانات الفريدة وحمايتها لنفسها من الخطر المحدق.

سمكة القرش: صياد البحر ذو الأنف الحساس كهربائيًا
لدى أسماك القرش موهبة خاصة تمكنها من الشعور بتيارات كهربائية دقيقة في الماء ناتجة عن تقلُّبات جوية أو زلزالية بسيطة. وحواسها الحساسة للغاية تسمح لها بقراءة التغيرات الكهرومغناطيسية في البيئة البحرية وتغير الضغط تحت الماء، مما يجعلها تبتعد عن مناطق الخطر قبل حدوث العاصفة أو الزلزال أو التغيرات المناخية المفاجئة، ممّا يزيد من فرص بقائها.
النمل: مستشارون صغار يتوقعون خطر السيول والفيضانات
لعل واحدة من أغرب الأمثلة عن الحواس السادسة لدى الحشرات هي تلك التي يمتلكها النمل. لدى النمل القدرة على الشعور بتغيرات ضغط الهواء والرطوبة ودرجات الحرارة بكفاءة عالية، ويمكنه أن يتوقع هطول المطر أو فيضاناً قبل حدوثه بساعات. لهذا السبب نرى النمل قبيل الأمطار أو السيول يخرج من مستعمراته ويتوجه لمناطق مرتفعة أو جافة لينقذ نفسه ومجتمعه بكفاءة مذهلة.كيف فسّر العلماء "الحاسة السادسة" الفريدة التي تمتلكها الحيوانات؟
تفسير العلماء لهذه الظاهرة هو أن الحيوانات ربما لا تمتلك "حاسة سادسة" بمعنى خارق للطبيعة، بل هي تمتاز بقوة وشدة في حواسها المعتادة تفوق قدرات الإنسان عشرات المرات. سواء كانت حاسة السمع، أو الذبذبات، أو القدرة على استشعار الكهرباء أو الضغط أو الذبذبات تحت سطح الأرض، فإن هذه القدرات الخارقة هي التي تجعل الحيوانات قادرة على استشعار وتوقع الأخطار قبل حدوثها فعليًا.دروس مهمة: ماذا يمكن أن نتعلم من هذه القدرات المدهشة؟
هذه القدرة الاستثنائية التي تتمتع بها الحيوانات قد أصبحت محور اهتمام العلماء والباحثين للاستفادة منها في تطوير تقنيات استشعار متقدمة للبشر تحاكي قدرة الحيوانات على التنبؤ المبكر بالأخطار. بمحاولة فهم هذه القدرات أكثر، قد نتمكن في المستقبل من تطوير تقنيات تشبه هذه القدرات لحماية البشر والبيئة من الكوارث الطبيعية والحد من خسائرها.في نهاية المطاف، لا تزال الطبيعة تدهشنا في كل مرة بقصص لا تصدق عن كائنات رائعة تمتلك قدرات غير عادية. فالحيوانات التي لديها حواس سادسة حقيقية تذكرنا دائماً بمدى اهتمام الطبيعة والمخلوقات بتطوير مهارات للتكيف والبقاء، وتثبت لنا بشكل مستمر أن المعرفة مسؤولية كبرى في عالم مليء بدروس الحياة المدهشة.