أدت زيادة الطلب العالمي على الغذاء إلى زيادة الحاجة لتطبيقات الأسمدة النيتروجينية الاصطناعية (N). ومع ذلك، ونظراً لعدم كفاءة استخدام النباتات للنيتروجين، فإن النظم البيئية الزراعية عرضة لفقدان كميات كبيرة من النيتروجين السمادي في المسطحات المائية والمياه الجوفية، مما يسبب زيادة تركيز المغذيات (Eutrophication) خاصة (النترات والفوسفات) والتحمض، وفي الغلاف الجوي كغاز أكسيد النيتروز (N2O) الذي يسبب الاحترار المناخي واستنفاد طبقة الأوزون.
في الواقع، تعد الزراعة المصدر البشري الرئيسي لأكسيد النيتروز، حيث تمثل حوالي 70% من إجمالي الانبعاثات خلال الفترة 2000-2014. في الوقت نفسه، يمكن للتسميد النيتروجيني أن يجعل التربة الزراعية مصدراً لثاني أكسيد الكربون (CO2) من خلال تعزيز التنفس الميكروبي. لذا، هناك حاجة ماسة لتدابير تقلل من تأثير الزراعة على المياه والمناخ، وأحد هذه التدابير هو استخدام الفحم (مثل الفحم الحيوي) في التربة الزراعية.
الفحم هو عبارة عن كتلة حيوية متحللة حرارياً (Pyrolyzed biomass) وكربون محفوظ، حيث يحتوي على مركبات عطرية مكثفة مستقرة ضد التحلل الميكروبي. عند استخدامه كمحسن للتربة، أظهر الفحم آثاراً إيجابية تشمل تخفيف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتحسين تحول مغذيات التربة (مثل النيتروجين والفوسفور)، وزيادة إنتاجية المحاصيل، وتحسين السمات المورفولوجية لجذور النباتات.
ومع ذلك، توجد بعض النتائج المتناقضة التي تشير إلى زيادة في الغازات الدفيئة الثلاثة في بعض الحالات، مما يلمح إلى أن إضافات الفحم قد لا تؤدي دائماً إلى نتائج إيجابية. وتعود هذه الاختلافات بشكل أساسي إلى الخصائص الفيزيائية والكيميائية لأنواع الفحم، واختلاف المواد الخام المستخدمة في صنعها، وطرق إنتاجها، وتفاعلها مع الخصائص المتأصلة في التربة. في الحقيقة، تؤدي المواد الخام وطرق الإنتاج المتنوعة إلى خصائص متميزة؛ فعلى سبيل المثال، يمكن للتحلل الحراري التقليدي (Pyrolysis) إنتاج الفحم الحيوي Biochar، بينما يمكن للكربنة المائية الحرارية (HTC) إنتاج الفحم المائي Hydrochar.
يمتلك كلاهما خصائص فيزيائية وكيميائية مختلفة تؤثر على سلوكهما في التربة. فعلى سبيل المثال، يمثل مساحة السطح في الفحم الحيوي مقدار المسامية الداخلية، بينما في الفحم المائي يمثل مساحة السطح الخارجية الفعلية. كما يُعرف الفحم المائي بأنه أكثر حموضة من الفحم الحيوي ويُعتبر أكثر فعالية في امتزاز المغذيات الأساسية مثل الفوسفور. علاوة على ذلك تشير الدراسات إلى أن الفحم الحيوي، بسبب تأثيره القلوي (Liming effect)، قد يكون خياراً جيداً كمحسن للتربة الزراعية الفقيرة بالنيتروجين والحمضية بطبيعتها، حيث أظهرت إضافة الفحم الحيوي إليها نتائج مفيدة مثل تقليل انبعاثات N2O وتحسين كفاءة استخدام النيتروجين (NUE) وإنتاجية الكتلة الحيوية. ومع ذلك، لا تزال المعرفة حول تأثير الفحم الحيوي والمائي على زراعة الأعلاف البقولية محدودة.
إضافة الفحم (Char amendment) تعد أحد الخيارات لتقليل التأثير المناخي للتربة الزراعية. ومع ذلك، فإن تأثيرها يختلف اعتماداً على خصائص الفحم والتربة، ونوع الغطاء النباتي والتفاعلات بينها. على سبيل المثال يمكن أن تستفيد التربة الحمضية والفقيرة بالمغذيات من إضافة الفحم.
أجريت دراسة "ميزوكوزم" (بيئة مصغرة) لمدة ثلاثة أشهر تمثل زراعة الأعلاف البقولية لفهم آثار تطبيق استخدام الفحم على انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (GHG)، ومخزون الكربون العضوي في التربة (SOC)، وإنتاجية الكتلة الحيوية. في دراسة تسلط الضوء على التفاعلات المعقدة بين أنواع الفحم والتربة والغطاء النباتي وإدارة النيتروجين، وتدعو لضرورة إجراء دراسات مستقبلية على نطاق الحقول الزراعية الكاملة.
في هذه الدراسة تم فحص الفحم الحيوي Biochar والفحم المائي Hydrochar لرصد التغيرات في خصائص التربة، ومعدلات تحول النيتروجين الكلية، والكربون العضوي في التربة وأجزائه، وإنتاجية الكتلة الحيوية، وتدفقات الغازات الدفيئة الثلاثة الرئيسية (ثاني أكسيد الكربون CO2 أو الميثانCH4 أو أكسيد النيتروز (N2O)). تم تقييم النتائج من منظورين؛ الأول، عند إضافة الفحم بمعدل موحد مع النيتروجين السماد (N) اتباعاً لممارسة المزارعين، والثاني، عند إضافة الفحم بناءً على كمية كربون الفحم بدون إضافة سماد نيتروجيني. وقد أظهرت النتائج ما يلي:
تأثرت انبعاثات أكسيد النيتروز N2O فقط وليس ثاني أكسيد الكربون CO2 أو الميثان 4CH عند إضافة الفحم مع السماد النيتروجيني. بينما زاد الفحم الحيوي من انبعاثات N2O بشكل ملحوظ مقارنة بالعينة الضابطة (Control)، بينما حد الفحم المائي من انبعاثات N2O مقارنة بالعينة الضابطة وخفضها بشكل ملحوظ مقارنة بمعاملات الفحم الحيوي.
في حين أدى الفحم الحيوي مع إضافة النيتروجين إلى زيادة كبيرة في إنتاج النترات الكلي (النترجة الكلية) وانبعاثات N2O، مما يشير إلى وجود صلة بين زيادة نشاط بكتيريا النترجة وانبعاثات N2O. من ناحية أخرى أظهر الفحم المائي مع إضافة النيتروجين معدلات نترجة كلية وانبعاثات N2O أقل، مما يشير إلى انخفاض نشاط بكتيريا النترجة مقارنة بالفحم الحيوي. ومن المثير للاهتمام أن الفحم المائي بدون إضافة نيتروجين أظهر أدنى انبعاثات لـ N2O مع بعض حالات امتصاص الغاز، مما يلمح إلى تعزيز آلية اختزال/بالوعة N2O في التربة، خاصة مع وجود غطاء نباتي نشط ضوئياً.
زاد كلا نوعي الفحم من الكربون العضوي الحبيبي (POC) في التربة بشكل ملحوظ، ويرجع ذلك أساساً إلى أن الفحم نفسه يتكون من الكربون. وبقي الكربون العضوي المرتبط بالمعادن (MAOC) دون تغيير. وجد أن زعزعة استقرار MAOC زادت مع الفحم الحيوي أكثر من الفحم المائي، خاصة مع التسميد النيتروجيني. لم تتأثر إنتاجية الكتلة الحيوية الإجمالية، ومع ذلك، أدى الفحم الحيوي مع النيتروجين المضاف إلى تقليل إنتاجية العلف مقارنة بالعينة الضابطة.
ا. د. فوزي محمد أبودنيا
مدير معهد بحوث الإنتاج الحيواني سابقا



