الجمعة، 04 ذو القعدة 1446 ، 02 مايو 2025

الدكتور بدوي رجب مهدي يكتب.. القمح والشعير والأصداء

WhatsApp Image 2025-05-02 at 12.13.38 PM
الدكتور بدوي رجب مهدي - رئيس قسم بحوث أمراض الشعير
أ أ
techno seeds
techno seeds
القمح من أكثر المحاصيل الغذائية أهمية في العالم، حيث ينتج القمح أو ما يعرف بالحنطة حبوبًا مركبة على شكل سنابل كما تعتبر هذه الحبوب غذاء رئيسيًا لجميع سكان كوكب الأرض، والقمح نبات بري حيث ظهرت المعالم الأولى لزراعته قبل 9000 سنة (ق.م) أكد ذلك Feldman (1955).

ويشكل القمح أساس نشأة الحضارات القديمة مثل الحضارة المصرية (الفرعونية) وحضارة بلاد الرافدين وحضارة بابل أراضي ما بين النهرين، كان المصريون القدماء يقدمون ثمار محصولهم للمعبودات التي قدسوها، فقد عثر في مقبرة الملك مينا في وادي الملوك الذي يعود للقرن الخامس عشر (ق.م) على زخارف منها شكل لفلاح يقدم بواكير محصوله على شكل دمية من سنابل القمح، وقد انتقل ذلك إلى الديانة المسيحية أيضًا التي اعتبرت القمح يمثل الخير والمحبة والرخاء لذلك استخدمه الفنانون في الموضوعات الزخرفية، وقد اعتبر الرومان القمح بمثابة زهور المعبودة هيرا وعلى وجه الخصوص للمعبودة ديميز ربة الأرض الخصبة والنماء، وارتبط تقديس القمح عندهم بإقامة الطقوس الزراعية في المعابد، واعتبر الرومان السنبلة الإلهية من أفضل الغذاء للإنسان، وقد قدم العرب قبل الإسلام القمح بالإضافة إلى الشعير والحنطة قرابين للمعبودات التي قدسوها ومنها الصنم ذو الخلصة الذي كان عبارة عن صخرة على شكل التاج بين مكة واليمن وكان يعبد من قبل عدد من القبائل منها خثعم وبجيلة وأزد السراة وهوازن باعتباره غذاء وقرابين للآلهة، الأمر الذي يدل على عالمية قدسية القمح عند كل الأمم القديمة واستمرار تقديسه حتى وقتنا الحالي.

تشير معظم الدراسات إلى أن الموطن الأصلي للقمح المنزرع اليوم هو الشرقين الأوسط والأدنى، اعتمادًا على أن القمح ثنائي الحبة (Emmer wheat - Triticum dicoccum) يشبه الأنواع المنتشرة بريًا حتى اليوم، ويشير Vavilov (1926) أن أغلب النباتات المنزرعة لها أصول برية، وأكد في 1951 إلى أن قمح الخبز القمح اللين والطري (Triticum aestivum) قد نشأ في وسط آسيا والشرق الأدنى، أما القمح القاسي (Triticum durum) فقد نشأ في الحبشة، وأشار Keiale (1979) أن زراعة القمح ترجع إلى العصر الحجري من 7000 سنة (ق.م)، في حين تقول بعض الآراء أن زراعة القمح ظهرت لأول مرة في أراضي الخليل في نهاية العصر الجليدي قبل 1900 سنة (ق.م)، ثم انتقلت إلى العصر الحجري، وتشمل قصة سيدنا يوسف عليه السلام في عصر الهكسوس حوالي 1977 سنة (ق.م) على ما قام به في الإشراف على القمح في سنوات القحط حيث أجرى آنذاك أول تخزين للقمح في التاريخ، وأول تأسيس لحفظ القمح وتخزينه في الصوامع، أضاف Grignac (1965) أن الشرق الأوسط هو مركز الآباء الأول للقمح ثم انتشر إلى الحوض الغربي للبحر المتوسط وجنوب الاتحاد السوفيتي والشرق الأدنى، وأكد Picard (1988) أن الحضارة الرومانية ساهمت بشكل كبير في انتشار القمح إلى البحر الأبيض المتوسط وأوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية، وأكد Feldman (1955) أن المعالم الأولى لزراعة القمح ظهرت في منطقة الهلال الخصيب حوالي 9000 سنة (ق.م).


مناطق الانتشار الجغرافي، تمتد زراعة القمح في العالم بين خطي عرض 60-30 شمالًا و40-27 جنوبًا، وأيضًا يزرع القمح بالقرب من خط الاستواء في المناطق المرتفعة وفي الفصول الباردة شتاءً، ومن أهم مناطق زراعة القمح عالميًا هي سهول أمريكا الشمالية، وشمال غرب أوروبا، ومنطقة حوض البحر المتوسط وجنوب روسيا وشمال غرب الهند وشرق ووسط الصين والأرجنتين وجنوب شرق أستراليا، أما على مستوى دول الوطن العربي فتعتبر مصر والمغرب وسوريا والجزائر والعراق من أهم الدول إنتاجًا للقمح.

ثانيًا الشعير: يعتبر الشعير من أوائل الحبوب المزروعة في الهلال الخصيب، حيث تم تهجينه منذ حوالي 8000 سنة قبل الميلاد من سلفه البري Hordeum spontaneum وتشير الأدلة الأثرية إلى أن زراعة الشعير تعود إلى 5000 قبل الميلاد في مصر، و2350 قبل الميلاد في بلاد ما بين النهرين و3000 قبل الميلاد في شمال غرب أوروبا و1500 قبل الميلاد في الصين، وقد كان الشعير هو مصنع الخبز الرئيسي لليهود واليونانيين والرومان ومعظم بلدان أوروبا خلال القرن السادس عشر، تشير الدراسات الجينية إلى أن إنباتات الموجودة في هضبة التبت كانت مركزًا أيضًا لتهجين الشعير المنزرع حاليًا.

الموطن الأصلي، يعتبر الشعير من أقدم المحاصيل التي استأنسها الإنسان وزرعها قبل الميلاد والموطن الأصلي للشعير هو قارة آسيا، الشعير محصول عشبي نَجيلي حولي شتوي، والشعير يشبه في شكله العام إلى حد كبير نباتي القمح والشوفان قبل أن تظهر النورات وأن الجد البري للشعير المنزرع Hordeum vulgare هو تحت نوع spontaneum الشعير البري Hordeum vulgare Ssp spontaneum وتنتشر زراعة الشعير في غالبية دول العالم، ويعود ذلك إلى استعمالاته العديدة، وإلى تعدد أصنافه القادرة على تحمل الظروف البيئية المختلفة بما في ذلك القطب الشمالي والمناطق القريبة من خط الاستواء، حيث ينمو المحصول في معظم المناطق المعتدلة المناخ أو المناطق الصحراوية وتحت الاستوائية، الإنتاج العالي يتركز في القارة الأوروبية، تليها قارة آسيا عالميًا وذلك من حيث المساحة المزروعة والإنتاج، أهم الدول المنتجة للشعير، روسيا - كندا - إسبانيا - ألمانيا - فرنسا - تركيا - أوكرانيا – أستراليا - الولايات المتحدة الأمريكية، يعتبر الشعير من المحاصيل عالية التحمل للملوحة والقلوية بينما يعتبر من المحاصيل الحساسة للحموضة كما وأنه من أكثر المحاصيل تحملًا للبرودة إذ يزرع حتى خط عرض 71 درجة.


الأصداء:

أشارت الحفريات القديمة (1300 سنة قبل الميلاد) إلى كلمة أصداء القمح وضررها على المحصول، عبد الرومان القدماء إله الصدأ "روبيجوس" (43 سنة قبل الميلاد) وكانوا يقدمون له القرابين لحماية محاصيلهم، كان Robigalia مهرجانًا في الديانة الرومانية القديمة أقيم في 25 أبريل، سمي على اسم الإله (روبيجوس).

كانت طقوسه الرئيسية هي التضحية بالخراف والكلاب ذات الفراء الحمراء لحماية حقول الحبوب من الأمراض وخاصة التراب الأحمر، أقيمت ألعاب على شكل سباقات كبرى وثانوية، وكانت Robigalia واحدة من العديد من المهرجانات الزراعية في أبريل للاحتفال وإضفاء الحيوية على موسم النمو، أعطى الكاتب الزراعي كولوميلا الاسم في المؤنث باسم Robigo، مثل الكلمة المستخدمة لشكل من أشكال مرض صدأ القمح، الذي له لون ضارب إلى الحمرة أو بني محمر، تم العثور على كل من Robigus و Robigo أيضًا باسم Rubig والذي وفقًا لأصل الكلمة من خلال ارتباطها بالعصور القديمة، كان يعتقد أنها مرتبطة باللون الأحمر (Ruber) كشكل من أشكال المرض التراب الأحمر.

ظل القمح والشعير والصدأ في تنافس وتطورًا معًا لعدة قرون، ولوحظت سلالات وتنوعات وتجمعات أشد ضراوة من مسببات أمراض الأصداء حول مراكز المنشأ أو في المناطق التي تجرى فيها برامج تربية القمح والشعير وذات تنوع في جينات المقاومة التي تحملها النباتات وهي مناطق أكثر حيوية وديناميكية للأصداء على الرغم من ذلك لا يرتبط تطور مسببات أمراض الأصداء بالقمح والشعير فقط.
يُعد صدأ أوراق القمح (Puccinia triticina)، وصدأ الساق في القمح والشعير (P. graminis f. sp. tritici)، والصدأ الأصفر (P. striiformis f. sp. tritici) من أمراض القمح ذات الأهمية العالمية، وتُعزى الخسائر الوبائية الناجمة عن صدأ القمح إلى التفاعل بين العوائل الحساسة والسلالات المرضية الشرسة لمسببات الأصداء والبيئة الملائمة والمدة الزمنية، يُعد توافق ضراوة مسببات الصدأ وصنف القمح المُعرّض للإصابة ومرحلة نمو المحصول والبيئة الملائمة من العوامل الرئيسية المُسببة للأوبئة، وتُعد مرحلة محصول القمح التي تحدث فيها العدوى بالغة الأهمية حيث تُؤدي الإصابات المُبكرة إلى خسائر أكبر من الإصابات المُتأخرة، كما تُعد مرحلة نمو محصول القمح مهمةً أيضًا لأن مقاومة النبات البالغ تُحفّز بعد تكوّن الورقة الثالثة وبالتالي، فإنّ الصنف المُعرّض للإصابة في المراحل الأولى قد يُصبح مُقاومًا لاحقًا وهذا أحد أسباب ندرة أوبئة صدأ القمح حيث أن العديد من جينات مقاومة النبات البالغ غير المعروفة قد منحت مقاومةً حقليةً للنباتات.

ظل صدأ القمح تحت السيطرة لفترة طويلة، وكان يُعتقد على نطاق واسع أنه قد تمت السيطرة عليه. ومع ذلك، فإن ظهور حالات ضراوة Yr9 في سوريا وإيران في أعوام 1990 و1992 و1993، والتي تسببت في أوبئة شديدة من صدأ القمح الأصفر في غرب آسيا، قد دق ناقوس الخطر، وتسبب ظهور الطفرات المعروفة باسم Ug99 في أوغندا خلال عام 1998 (Pretorius et al. 2000) في قلق دولي وقد أدى ذلك إلى إبطال فعالية الجين Sr31 بعد استخدامه لحوالي أربعة عقود. نتيجةً لذلك، أصبح حوالي 40% من محصول القمح العالمي مهددًا بوباء صدأ الساق، وخلال العقد الماضي تم تحديد 13 نمطًا مرضيًا من سلالة Ug99 من 13 دولة (CIMMYT، 2019).


وقد ذكّرتنا هذه الأحداث بمقولة الدكتور نورمان بورلاوج "الصدأ لا ينام أبدًا". هناك دائمًا سباقٌ مستمرٌّ على التفوق بين مُربي القمح ومُسببات أمراض الصدأ، يُطوّر المُربّون أصنافًا جديدة من القمح بينما تُطوّر مُسببات أمراض الصدأ أنماطًا أو سلالات مرضية جديدة أشد ضراوة من المسبب المرضي الأصلي تجعل الأصناف المقاومة عُرضةً للإصابة، تتطور السلالات الجديدة إما من خلال التكاثر الجنسي (في المناطق أو البلدان التي تكون فيها العوائل البديلة موجودة) والتهجين الجسدي أو الطفرات (حيث تكون العوائل البديلة غير موجودة).
وتُعد الطفرة طريقةً شائعةً جدًا لتطور الأنماط المرضية الجديدة، خاصةً عندما تكون العوائل البديلة غير موجودة.

تتميز الفطريات المسببة لأمراض الصدأ في القمح والشعير بطول دورة الحياة وحاجاتها إلى نوعين من العوائل النباتية لإكمال دورة الحياة، يتكون عليها خمسة أنواع من الجراثيم (البازيدية – البكنية – الأسيدية – اليوريدية – التيليتية)، وتعتبر الجراثيم اليوريدية من أهم أنواع الجراثيم تأثيرًا على القمح والشعير ويسمى بالطور المتكرر، بمعنى أنه يتكرر كل 12–15 يوم حيث يظهر جيل جديد من الجراثيم اليوريدية يمكنها إصابة نباتات القمح والشعير، بجانب وجود العائل المتبادل الذي يكمل عليه فطر الصدأ دورة الحياة، تستطيع فطريات الصدأ أيضًا أن تصيب بعض الحشائش النجيلية (عوائل ثانوية)، لا يوجد في مصر العائل المتبادل (الذي يكمل عليه فطر الصدأ دورة الحياة) ولا تسمح الظروف المناخية في مصر بتواجد جراثيم الأصداء (الجراثيم اليوريدية) أثناء فترة الصيف لارتفاع درجة الحرارة، تصل جراثيم الصدأ اليوريدية والأسيدية سنويًا إلى مصر محمولة بواسطة الرياح من الدول المجاورة، سواء دول البحر المتوسط أو جنوب غرب آسيا التي تتواجد بها العوائل المتبادلة، الأصداء تعتبر من العقبات الرئيسية التي تم تصنيفها على أنها مسببات الأمراض التاريخية، القادرة على أن تتسبب في خسائر فادحة لمحصولي القمح والشعير في جميع أنحاء العالم وهي أمراض ذات أهمية عالمية.

مقدمة
رئيس قسم بحوث أمراض الشعير
أ.د / بدوي رجب مهدي
اشترك في قناة اجري نيوز على واتساب اشترك في قناة اجري نيوز على جوجل نيوز
icon

الأكثر قراءة