الخميس، 05 رجب 1447 ، 25 ديسمبر 2025

د. عاطف سعد عشيبة يكتب.. الصناعات القائمة على أسماك التونة

د-Recovered-Recovered-Recovered-Recovered-Recovered-Recovered
د. عاطف سعد عشيبة
أ أ
techno seeds
techno seeds
تعد أسماك التونة من أهم الموارد البحرية التي يعتمد عليها الإنسان في التغذية والصناعة على حد سواء، نظرًا لقيمتها الغذائية العالية وتنوع طرق الاستفادة منها. وقد تطورت الصناعات القائمة على التونة بشكل كبير خلال السنوات الماضية، بحيث لم يعد استخدامها يقتصر على الاستهلاك الطازج أو المعلب فحسب، بل أصبحت تدخل في إنتاج مجموعة واسعة من المنتجات الغذائية وغير الغذائية ذات القيمة الاقتصادية العالية.

أولًا : منتجات التونة المصنوعة من لحومها
1- التونة المعلبة

تعد التونة المعلبة من أشهر منتجات التونة وأكثرها استهلاكًا حول العالم. وتتوفر بأنواع مختلفة بحسب طريقة الحفظ، و منها التونة في الماء أو محلول ملحى - التونة في الزيت النباتي - التونة المتبلة أو المدخنة تتميز هذه المنتجات بسهولة تخرينها وملائمتها لإعداد وجبات سريعة وصحية، مما يزيد من الطلب العالمي عليه باستمرار.

2- التونة الطازجة والمجمدة

تباع التونة الطازجة في الأسواق لتستخدم في الطهي المباشر، خاصة في وصفات الشواء والطهي السريع. كما تتوفر مجمدة للحفاظ على قيمتها الغذائية ونكهتها، وتستخدم على نطاق واسع في المطاعم والفنادق، خصوصًا في الأطباق اليابانية مثل السوشي والساشيمي.

3- شرائح التونة المدخنة

التدخين من الطرق الشائعة لإضافة نكهة مميزة للأسماك، ويتحول من خلالها لحم التونة إلى منتج فاخر يستخدم في المقبلات والسلطات والأطباق العالمية، ويتميز بمدة صلاحية أطول.

ثانيًا : الصناعات القائمة على مخلفات التونة 
1- زيت التونة

يعتبر زيت التونة من المنتجات القيمة التي يتم الحصول عليها من بقايا الأسماك بعد عمليات التصنيع. ويتميز هذا الزيت بارتفاع محتواه بأحماض أوميجا-3 ، المعروفة بفوائدها الكبيرة لصحة القلب والأوعية الدموية، ودعم وظائف المخ، وتقليل الالتهابات في الجسم.

ويُستخدم زيت التونة في مجالات متعددة، حيث يُضاف إلى بعض الأغذية لتعزيز قيمتها الغذائية، ويُدخل في تصنيع المكملات الغذائية التي تهدف لتعويض النقص من العناصر الأساسية في النظام الغذائي. كما يمتد استخدامه إلى الصناعات الصيدلانية ومستحضرات العناية بالبشرة، لما له من خصائص مرطبة ومضادة للأكسدة تساهم في الحفاظ على صحة الجلد.

هناك عدة طرق مستخدمة لاستخلاص الزيت من مخلفات أو بقايا تصنيع التونة، تختلف حسب الإمكانيات التقنية والهدف من الزيت المستخرج. من أبرز هذه الطرق:

• الطريقة الميكانيكية (العصر أو الطرد المركزي): تعتمد على استخدام الضغط لاستخراج الزيت من أنسجة الأسماك، وهي طريقة طبيعية تحافظ على معظم العناصر الغذائية، خصوصًا أحماض أوميغا-3.

• الاستخلاص بالمذيبات (Solvent Extraction): تستخدم فيها مذيبات مثل الهكسان لفصل الزيت عن البقايا، وتعتبر فعالة جدًا لاستخلاص كميات كبيرة من الزيت، لكنها تحتاج إلى إزالة المذيبات بعناية قبل الاستخدام الغذائي.

• الاستخلاص بالبخار أو التسخين : تُسخن مخلفات التونة لإذابة الزيت وفصله عن المواد الصلبة، وتعد طريقة اقتصادية ومستخدمة على نطاق واسع، لكنها تقلل من جودة الأحماض الدهنية الحساسة للحرارة.

• الاستخلاص فوق الحرج: تستخدم فيها الغازات فوق الحرجة مثل ثاني أكسيد الكربون لاستخلاص الزيت، وهي طريقة حديثة تحافظ على جودة الزيت وتركيزه من العناصر الغذائية، لكنها مكلفة مقارنة بالطرق التقليدية.

2- مسحوق السمك (Fish Meal)

ينتج مسحوق السمك من الأجزاء غير المستخدمة من التونة مثل العظام والزعانف والجلد، ويعتبر من أهم المكونات في صناعة أعلاف الدواجن والأسماك نظرًا لإرتفاع محتواه من البروتين عالي الجودة والأحماض الدهنية الأساسية والدهون الصحية. يعد مسحوق السمك مصدرًا للعديد من العناصر الغذائية الضرورية لنمو الحيوانات وتحسين إنتاجيتها، كما يساهم في تعزيز صحة الجهاز المناعي وتحسين جودة اللحوم والبيض في الدواجن.

إلى جانب فوائده الغذائية، تعد صناعة مسحوق السمك مصدرًا اقتصاديًا مهمًا، خصوصًا في الدول التي تمتلك أساطيل صيد كبيرة، حيث تتيح استغلال المخلفات السمكية وتحويلها إلى منتجات ذات قيمة مضافة، مما يقلل الهدر ويزيد من العائد الاقتصادي لصناعة الصيد. كما يمكن أن يدخل مسحوق السمك في صناعة بعض المكملات الغذائية والأسمدة العضوية، مما يزيد من مجالات استخدامه ويساهم في دعم الاستدامة البيئية والصناعية.

تتعدد طرق صناعة مسحوق السمك من بقايا ومخلفات التونة، تهدف جميعها إلى تحويل هذه المخلفات إلى منتج غني بالبروتين والعناصر الغذائية. من أبرز هذه الطرق:

• التجفيف   (Drying): تنظف المخلفات جيدًا ثم تسخن أو تجفف بالهواء الساخن لإزالة الرطوبة، ثم تطحن للحصول على مسحوق ناعم. هذه الطريقة تحافظ على معظم البروتينات لكنها قد تقلل بعض العناصر الحساسة للحرارة.

• التجفيف بالتجميد (Freeze Drying): تجمد المخلفات بسرعة ثم يزال الماء بالتسامي، , و هذه الطريقة  تحافظ على القيمة الغذائية والدهون الصحية بشكل أفضل من التجفيف التقليدي، لكنه أكثر تكلفة.

• الاستخلاص بالبخار أو الطهي  (Rendering): تسخن المخلفات لفصل الدهون أولًا ثم تجفف وتطحن، وتستخدم هذه الطريقة بشكل واسع لإنتاج مسحوق السمك التجاري.

• التقطيع والطحن المباشر (Grinding and Pulverizing): بعد تنظيف المخلفات، تقطع إلى قطع صغيرة وتطحن مباشرة بعد التجفيف، وهي طريقة سريعة وفعالة للحصول على مسحوق جاهز للاستخدام في الأعلاف.

في بعض الأحيان، تستخدم مضادات الأكسدة والمثبتات للحفاظ على جودة المسحوق وصلاحيته لفترات أطول.

3- مستخلصات البروتين

تعد مستخلصات البروتين المصنعة من مخلفات وبقايا التونة واحدة من أهم الابتكارات في استغلال الموارد البحرية بشكل مستدام. فبدلاً من التخلص من أجزاء التونة غير المستخدمة مثل العظام، الزعانف، والجلد، يتم تحويل هذه المخلفات إلى بروتينات عالية الجودة يمكن استخدامها في الصناعات الغذائية والصيدلانية. تتميز هذه المستخلصات بإرتفاع محتواها من الأحماض الأمينية الأساسية وسهولة هضمها وامتصاصها، مما يجعلها مكونًا هامًا في إنتاج المكملات الغذائية، الشوربات الجاهزة، الصلصات، والأغذية الوظيفية. كما تساهم هذه العملية في تقليل الهدر وزيادة القيمة الاقتصادية للمخلفات، ودعم الاستدامة البيئية، لتكون خيارًا مستقبليًا مهمًا في الصناعات الغذائية الحديثة.

تشمل طرق تصنيع مستخلصات البروتين من مخلفات التونة ما يلي:

• الهضم الإنزيمي (Enzymatic Hydrolysis):

في هذه الطريقة، تعالَج مخلفات التونة باستخدام إنزيمات محللة للبروتين ، التي تقوم بتفكيك البروتينات إلى ببتيدات وأحماض أمينية صغيرة. ينتج عن هذه العملية بروتين سائل أو مسحوق غني بالأحماض الأمينية الأساسية وسهل الهضم، مما يجعله مناسبًا للاستخدام في المكملات الغذائية، الأطعمة الصحية، والشوربات الجاهزة، حيث يضيف قيمة غذائية عالية ويسهل امتصاصه من الجسم.

• الاستخلاص بالماء أو المحاليل الملحية (Water/Salt Soluble Extraction):

تعتمد هذه الطريقة على طحن المخلفات وخلطها مع الماء أو محلول ملحي، ثم فصل البروتين المذاب عن المواد الصلبة. ينتج عن هذا الاستخلاص مستخلص بروتيني قابل للذوبان في السوائل، ويمكن إضافته إلى الأغذية مثل الصلصات والشوربات، مما يعزز قيمتها الغذائية ويضيف لها خصائص وظيفية محسنة.

• الاستخلاص بالحرارة :

تسخن المخلفات بهدف فصل البروتين عن الدهون والمواد غير البروتينية، ثم يجفف البروتين الناتج للحصول على مسحوق بروتيني جاف. تعتبر هذه الطريقة اقتصادية وفعالة لإنتاج مستخلص بروتيني يمكن استخدامه في الأعلاف أو إضافته إلى المنتجات الغذائية، مع الحفاظ على جزء كبير من القيمة الغذائية للبروتين.

• التجفيف بالرش أو التجميد:

بعد استخراج البروتين، يحول إلى مسحوق جاف باستخدام التجفيف بالرش أو التجفيف بالتجميد. يحافظ التجفيف بالتجميد على جودة البروتين وخصائصه الغذائية بشكل أفضل مقارنة بالتجفيف الحراري التقليدي، مما ينتج مسحوقًا بروتينيًا عالي الجودة يصلح للاستخدام الصناعي والغذائي.

• الاستخلاص بالمذيبات 

في بعض الحالات، تستخدم مذيبات غذائية آمنة لفصل البروتين عن الدهون والمركبات الأخرى. بعد ذلك، تزال المذيبات للحصول على مستخلص بروتيني نقي وعالي الجودة يمكن استخدامه في التطبيقات الغذائية أو المكملات الغذائية، مع الحفاظ على خواصه الغذائية.

4- الكولاجين والجيلاتين البحري

يعد الكولاجين والجيلاتين البحري من أحدث المنتجات المستخرجة من مخلفات التونة، حيث يتم الحصول على الكولاجين بشكل رئيسي من الجلد والعظام. يتميز الكولاجين البحري بكونه مصدرًا غنيًا بالبروتينات والبيبتيدات التي تدعم صحة الجلد والمفاصل والأوعية الدموية. يدخل الكولاجين في الصناعات الدوائية والتجميلية، مثل كريمات ومستحضرات العناية بالبشرة، والمكملات الغذائية التي تعزز مرونة الجلد وتقوية الأنسجة الضامة.

أما الجيلاتين البحري، فيستخرج أيضًا من جلد وعظام التونة، ويتميز بخواصه الهلامية واللزوجة التي تجعله مناسبًا لاستخدامه في صناعة الحلويات مثل الحلوى والجيلي، وكذلك في بعض المواد الطبية والمكملات الغذائية التي تتطلب خصائص تماسك أو تغليف. تُعد هذه المنتجات قيمة للغاية، ليس فقط لفوائدها الصحية والتجميلية، بل أيضًا لدورها في استغلال المخلفات السمكية وتحويلها إلى منتجات عالية الجودة، مما يقلل الهدر ويزيد من الاستفادة الاقتصادية والصناعية من أسماك التونة.

طرق تصنيع الجيلاتين و الكولاجين البحرى

يتم تصنيع الجيلاتين والكولاجين البحري من أجزاء أسماك التونة غير المستخدمة مثل الجلد والعظام، وذلك لتحويل هذه المخلفات إلى منتجات ذات قيمة غذائية وصناعية عالية. تشمل الطرق الرئيسية ما يلي:

• الاستخلاص بالحامض أو القاعدة:

تنظف المخلفات جيدًا ثم  تنقع في محاليل حمضية أو قاعدية لفترات محددة، بهدف تكسير الروابط بين الأنسجة الصلبة والبروتينات. بعد ذلك، يغسل الكولاجين الناتج ويسخن باستخلاص مائي للحصول على الجيلاتين، الذي يمكن تحويله إلى مسحوق جاف بعد التجفيف بالرش أو التجفيف بالتجميد.

• الاستخلاص بالماء الساخن (Hot Water Extraction):

يتم غلي المخلفات بعد تنظيفها لإذابة الكولاجين وفصله عن المواد الصلبة. ينتج محلول غني بالكولاجين يمكن معالجته لاحقا لإنتاج الجيلاتين البحري، ويتميز هذا الأسلوب بكونه آمنًا وصديقًا للاستخدام الغذائي.

• الإستخلاص بالإنزيمات

تعالج المخلفات بإنزيمات محددة لتفكيك الكولاجين إلى ببتيدات أصغر، مما يزيد من قابلية الهضم والامتصاص. تستخدم هذه الطريقة لإنتاج مستخلصات كولاجين سائل أو مسحوق يمكن إضافته للمكملات الغذائية ومنتجات العناية بالبشرة.

• التجفيف والتحويل إلى مسحوق:

بعد الاستخلاص، يحول الكولاجين أو الجيلاتين إلى مسحوق جاف باستخدام التجفيف بالرش أو التجفيف بالتجميد، للحفاظ على خواصه الغذائية و الطبيعية، وجعله سهل التخزين والاستخدام في الصناعات الغذائية والصيدلانية والتجميلية.

5- منتجات جلد التونة


يستخدم جلد بعض أنواع التونة في تصنيع جلود قوية ومتينة، تستعمل في صناعة الحقائب، المحافظ، الأحزمة، والأحذية الفاخرة. يتم تجهيز الجلد بعناية من خلال تنظيفه وتجفيفه ومعالجته كيميائيًا للحفاظ على متانته ومرونته، مما يجعله قابلًا للتشكيل والاستخدام في المنتجات الراقية.

ورغم أن هذه الصناعة ليست واسعة الانتشار مقارنة بصناعات الجلود التقليدية، إلا أنها تعد من الصناعات المتخصصة ذات القيمة العالية، نظرًا لقوة الجلد ومقاومته للتآكل، إضافة إلى ندرته نسبيًا مقارنة بالجلود الأخرى. كما يمكن استغلال بقايا الجلد في إنتاج منتجات ثانوية مثل الإكسسوارات الصغيرة ، مما يزيد من الاستفادة من مخلفات التونة ويعزز الاستدامة في استخدام الموارد البحرية.

اعداد ا.د/ عاطف سعد عشيبة 
مركز البحوث الزراعية -  معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية 
اشترك في قناة اجري نيوز على واتساب اشترك في قناة اجري نيوز على جوجل نيوز
icon

الأكثر قراءة