لا شك أن صناعة الأغذية فى جميع أنحاء العالم تواجه الكثير من التحديات فيما يتعلق بسلامة الأغذية ويعد تغليف وتعبئة الأغذية عنصرًا أساسيًا في ضمان جودتها وسلامتها خلال سلسلة الإمداد الغذائي، والذى يسهم في حماية الأغذية من التلف السريع والتلوث الجرثومي والفيزيائي مع اطالة العمر الافتراضى للمنتجات الغذائية وتقليل الفاقد والهدر منها دون أن يؤثر بشكل غير مقبول على خصائص ومكونات او طعم او رائحة الطعام الملامس لها خلال مراحل التصنيع المختلفة أو النقل أو التخزين أو الاستهلاك مثل ادوات المائدة والأدوات ذات الاستخدام الواحد.
ولكن بعض المواد المُستخدمة في التغليف وخصوصًا البلاستيك منها قد تُشكّل خطرًا صحيًا على المستهلك بسبب تفاعلها مع المحتوى الغذائى مما يتسبب فى نقل الملوثات الكيميائية من المواد الملامسة للأغذية إلى الغذاء بالهجرة او الترحيل ، وهذا يعتمد على عدة عوامل منها نوع المحتوى الغذائى (دهنى ، حمضى او مائى) ، درجة حرارة التخزين او التسخين ، وقت التخزين وملامسة الغذاء للعبوة و حجم العبوة وخصائص ومساحة السطح المعرضة للتلامس مع الغذاء.
ومع تزايد الاعتماد على المواد الصناعية و ظهور تساؤلات متزايدة حول مدى أمان هذه المواد، لا سيما عند تعرضها للحرارة أو التخزين طويل الأمد فسنتناول فى هذا المقال تأثير المواد المختلفة من مواد التعبئة والتغليف على سلامة الأغذية، مع استعراض لبعض البدائل البيئية الحديثة ومدى سلامتها.
أنواع مواد التغليف وتأثيرها الصحي
1-البلاستيك:
وهو أكثر المواد المستخدمة فى تغليف الأغذية ويوجد من اصناف عديدة ويصنف حسب المركبات الداخلة في تركيبه مثل البولي إيثيلين تيريفثاليت PETو البولي بروبلين PP وكلوريد البولي فينيل PVC والتى تُستخدم على نطاق واسع، ولكن بعضها يحتوي على مركبات كيميائية ضارة يكمن خطرها الغير أمن فى هجرة المونمرات والفورمالدهيد والمواد الأخرى الى الغذاء بمستويات قد تضر بالغذاء وتشير الدراسات إلى أن تسخين الطعام في عبوات بلاستيكية أو تخزينه لفترات طويلة يمكن أن يزيد من معدل تسرب وهجرة تلك المركبات الكيميائية إلى الطعام وهذا يشكل خطرًا خاصًا على الفئات الحساسة مثل الأطفال والحوامل، مثل مركب – البيسفينول أ (BPA) : و تأثيراته المعطّلة للغدد الصماء، وقد تم ربطه باضطرابات الإنجاب وبعض أنواع السرطان وكذلك الفثالات والتى تُستخدم كمُلدّنات وقد تتسرب إلى الأغذية الدهنية أو عند تسخين العبوة .
2- الورق والكرتون :
وهي تعد مواد آمنة نسبيًا، لكنها قد تُغطى بطبقات مقاومة للزيت أو الماء تحتوي على مواد فلورية قد تشكل خطرًا صحيًا.3- المعادن والزجاج:
المعادن مثل الألومونيوم أو الصفيح والتى تُستخدم في التعليب، وغالبًا ما تُبطّن بطبقة داخلية تحتوي على البيسفينول أ بينما يعد الزجاج من أكثر المواد أمانًا، ولا يتفاعل كيميائيًا مع الغذاء، إلا أن وزنه وكلفته يمثلان تحديًا كبيرا.البلاستيك مقابل البدائل البيئية
فى الآونة الأخيرة ومع تطور التكنولوجيا الخضراء شهد مجال تصنيع مواد التعبئة والتغليف تطورا كبيرا فى ابتكار مواد جديدة يمكن ان تساعد كبدائل مستدامة لمواد التعبئة والتغليف البلاستيكية لحماية البيئة بدلا من البلاستيك التقليدى المصنع من الوقود لذا ظهر البلاستيك الحيوي ( (Bioplastics كمادة تغليف بديلة صديقة للبيئة وآمنة للاستخدام الغذائي و الذى يُعد خيارًا واعدًا في مجال تغليف الأغذية والمصنوع من مصادر متجددة ومخلفات تصنيع الاغذية مثل مخلفات صناعة نشا الذرة و قصب السكر والمواد النباتية، و السيليلوزية الاخرى القابلة للتحلل ، مع العلم أنه ليست كل المواد البلاستيكية الحيوية قابلة للتحلل البيولوجى تماما حيث تنقسم إلى نوعين:- بلاستيك حيوي غير قابل للتحلل ولكن مشتق من مصادر متجددة.
- بلاستيك حيوي قابل للتحلل الى مواد طبيعية فى البيئة بفعل الكائنات الحية الدقيقة (مثل حمض البوليلاكتيك PLA، بولي هيدروكسي ألكانوات PHA) والذى يتميز بإمكانية التلامس المباشر مع الغذاء دون إطلاق مركبات ضارة و يعد أكثر أمانًا وصديق للبيئة فيؤدي استخدامه الى تقليل النفايات ومخلفات التصنيع الغذائى وتقليل النفايات البلاستيكية وتقليل الانبعاثات الكربونية اثناء التصنيع مما يشكل ضررا أقل على البيئة و يجعله بديلا مستداما للبلاستيك التقليدي إلا أن بعض الدراسات تُشير إلى ضرورة تقييم استقرارها الميكروبي والكيميائي على المدى الطويل لذا يجب ان يشمل تقييم المخاطر لهذه المواد دارسة استقرار المادة عند التخزين والتسخين، التفاعلات مع الأغذية الدهنية أو الحمضية.و احتمالية وجود شوائب أو بقايا تصنيع من المواد المضافة بشكل غير مقصود non-intentionally added (NIAS) substances.
و مع ذلك يوجد بعض التحديات لتلك البدائل، مثل التكلفة العالية نسبيا للانتاج من التكنولوجيا المستخدمة والطاقة والتكاليف مقارنة بالبلاستيك التقليدي ونقص البنية التحتية لإعادة التدوير أو التحلل الحيوي الصناعي، بالاضافة الى الحاجة إلى معايير تنظيمية واضحة لتقييم سلامته.
لذا في ظل القلق المتزايد حول سلامة المواد المستخدمة في تغليف وتعبئة الأغذية، يجب على الجهات التنظيمية والرقابية تشديد الرقابة وتحديث المعايير والتشريعات المتعلقة باستخدام البلاستيك التقليدى، لا سيما في درجات الحرارة المرتفعة.
كما يُوصى بدعم الأبحاث المتعلقة بالبدائل الحيوية لتغليف الغذاء وفي مجال تقييم هجرة المواد من البلاستيك الحيوي وتعزيز استخدامه ضمن سياسات التعبئة المستدامة، والتثقيف المستمر للمستهلك والمصنعين وتعزيز الوعي حول مخاطرالهجرة الكيميائية ومخاطر الاستخدام غير الصحيح للعبوات والالتزام والتشديد على اتباع الممارسات الصحية و التصنيعية الجيدة وانظمة تحليل المخاطر وتطبيق نظام جودة فعال يضمن انتاج عبوات ومنتجات أمنة على المستهلك.
الدكتورة سحر الصاوى
باحث بقسم بحوث الأغذية الخاصة والتغذية
معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية
