أ
أ
تُعد الألبان ومنتجاتها من المجموعات الغذائية الأساسية التي تمد الجسم بعناصر حيوية كالكالسيوم، والبروتين عالي الجودة، وفيتامين د، والفوسفور، والبوتاسيوم. وهي ضرورية لصحة العظام، العضلات، وتنظيم ضغط الدم. ومع ذلك، يتطلب تناولها تخطيطاً دقيقاً واحتياطات خاصة لدى بعض الفئات الحساسة، مثل الأشخاص الذين يعانون من عدم تحمل اللاكتوز، ومرضى السكر، ومرضى القلب، لضمان الاستفادة القصوى وتجنب المضاعفات الصحية.
أولاً: الفئات الحساسة للاكتـــــوز :
● عدم تحمل اللاكتوز (Lactose Intolerance) هو حالة شائعة ناتجة عن نقص إنزيم " Lactase " في الأمعاء الدقيقة، وهو الإنزيم المسئول عن هضم سكر اللبن (اللاكتوز ).في الظروف الطبيعية: يقوم إنزيم Lactase بتحويل سكر اللاكتوز إلى سُكَّرين بسيطين (الجلوكوز والجالاكتوز)، يسهل امتصاصهما في مجرى الدم عبر بطانة الأمعاء ، عندما ينقص هذا الإنزيم ينتقل اللاكتوز غير المهضوم إلى الأمعاء الغليظة، حيث تتفاعل معه البكتيريا، مما يؤدي إلى ظهور بعض الأعراض كالانتفاخات ، الغازات، وآلام البطن والإسهال .
الإحتياطات الواجب مراعاتها:
● إختيار المنتجات قليلة أو خالية اللاكتوز1- الألبان الخالية من اللاكتوز: هي خيار مثالي ، حيث يتم إضافة إنزيم اللاكتيز إليها مسبقاً لهضم اللاكتوز.
● الألبان المتخمرة (الزبادي ) : تُعتبر خياراً جيداً لأن البكتيريا النشطة الموجودة فيها تقوم بتكسير جزء كبير من اللاكتوز و يدعم صحة الجهاز الهضمي وتحسين وظيفة الأمعاء.
2- الأجبان الصلبة: مثل جبن الشيدر، السويسري، أو الفيتا، تحتوي عادةً على كميات قليلة جداً من اللاكتوز ولا تسبب أعراضاً في الغالب.
● توزيع الحصص الغذائية:
تناول كميات صغيرة من اللبن (حوالي 120 مل) في المرة الواحدة، ويفضل تناولها مع وجبة طعام وليس على معدة فارغة، حيث يعمل ذلك على إبطاء عملية الهضم ويقلل من الأعراض .
● تناول مكملات إنزيم اللاكتيز:
يمكن استخدام أقراص أو قطرات إنزيم اللاكتيز قبل تناول الأطعمة المحتوية على اللاكتوز للمساعدة في هضمها.
● التأكد من الملصقات الغذائية: يجب الحذر من اللاكتوز المخفي في بعض الأطعمة المصنعة : مثل المخبوزات، والوجبات الخفيفة.
ثانياً: فئات مرضى السكر : (Diabetes)
تعتبر الألبان ومنتجاتها مصدرا للكربوهيدرات (على شكل لاكتوز)، مما يؤثر على مستويات سكر الدم، كما أن بعض الأنواع قد تحتوي على دهون وسكريات مضافة تؤثر سلبا على المرضى .الإحتياطات الواجب مراعاتها:
1- تجنب السكريات المضافة :
● يجب الإبتعاد تماما عن منتجات الألبان المحلاة أو المنكهة (مثل الزبادي بالفواكه، حليب الشوكولاتة، الألبان المضاف إليها شراب الذرة عالي الفركتوز ). السبب: هذه الإضافات ترفع مستوى السكر في الدم بسرعة .
2- الانتباه لمحتوى الكربوهيدرات في الوجبة الغذائية:
● اللبن ومنتجاته تحتوي على سكر طبيعي يسمى (اللاكتوز (وهو نوع من الكربوهيدرات. : يجب الانتباه إلى حصص الكربوهيدرات اليومية الإجمالية في الوجبة الغذائية .● القياس: يُنصح بقياس مستوى السكر في الدم بعد ساعة إلى ساعتين من تناول الحليب أو مشتقاته لتحديد مدى تأثيره على سكر الدم للشخص والكمية المناسبه له.
3- مراقبة المؤشر الجلايسيمي : (Glycemic Index - GI)
● هو نظام تصنيف للكربوهيدرات في الأطعمة، يوضح مدى سرعة ودرجة تأثير هذا الطعام على رفع مستويات سكر الجلوكوز في الدم بعد تناوله. يتم قياس المؤشر الجلايسيمي على مقياس من 0 إلى 100، حيث يمثل سكر الجلوكوز النقي القيمة المرجعية ( 100 ) .
كيف يعمل المؤشر الجلايسيمي؟
● عندما تتناول الأطعمة التي تحتوي على كربوهيدرات (مثل الخبز، الأرز، الفاكهة، ومنتجات الألبان)، يقوم الجسم بتحليلها إلى جلوكوز ليدخل مجرى الدم. سرعة هذه العملية هي ما يحدده المؤشر الجلايسيمي:
● المؤشر الجلايسيمي المرتفع (70 وما فوق ) ): يعني أن الكربوهيدرات تتحلل وتُمتص بسرعة، ما يسبب ارتفاعاً سريعاً وكبيراً في سكر الدم. أمثلة: الخبز الأبيض، الأرز الأبيض، البطاطا المخبوزة، السكريات المضافة.
● المؤشر الجلايسيمي المتوسط ) 56- 69 ) : يسبب ارتفاعاً معتدلاً في سكر الدم. أمثلة: سكر المائدة (السكروز)، بعض أنواع الخبز الأسمر.
● المؤشر الجلايسيمي المنخفض (55 أو أقل) يعني أن الكربوهيدرات تتحلل وتُمتص ببطء وتدريجياً، ما يسبب ارتفاعاً بطيئاً وثابتاً في سكر الدم.
● فيجب إختيار المنتجات اللبنية التي يكون مؤشرها الجلايسيمي منخفضاً ( أقل من 55 إن أمكن). اللبن الرائب عموماً يعتبر خياراً جيداً لمرضى السكر .
4- توقيت الاستهلاك
● يمكن تناول الحليب مع وجبة الإفطار أو مع الشوفان فذلك يساعد على إبطاء هضم الكربوهيدرات والحفاظ على مستويات سكر الدم منخفضة .كيفية الإستفادة:
● تناول الزبادي اليوناني والجبن القريش : غنية بالبروتين، مما يساعد على الشعور بالشبع لفترة أطول ويقلل من ارتفاع سكر الدم بعد الوجبة، لأن البروتين يبطئ من امتصاص الكربوهيدرات.● الألبان كجزء من نظام غذائي متوازن: منتجات الألبان (خاصة الزبادي والحليب قليل الدسم) يمكن أن تساهم في تقليل خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني وتحسين وظيفة الأمعاء بفضل محتواها من البروبيوتيك.
● تناول مصدر جيد للمغنيسيوم والبوتاسيوم: هذه المعادن تساعد في تنظيم ضغط الدم وتحسين حساسية الأنسولين.
ثالثاً: مرضى القلب والأوعية الدموية (Cardiovascular Patients)
يرتبط النظام الغذائي الغني بالدهون المشبعة بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب وارتفاع الكوليسترول الضار (LDL). لذا، يجب على مرضى القلب توخي الحذر الشديد عند اختيار منتجات الألبان.الإحتياطات الواجب مراعاتها:
● التركيز على المنتجات قليلة أو خالية الدسم: يُعد هذا هو الاحتياط الأهم. يجب اختيار الحليب والزبادي والأجبان التي تحمل علامة "قليل الدسم" (Low-fat) أو "خالي من الدسم" (Non-fat/ Skim) لتقليل تناول الدهون المشبعة التي قد ترفع مستويات الكوليسترول الضار، مما يحافظ على صحة القلب والأوعية الدموية. ● تجنب الزبدة والقشدة والمنتجات عالية الدسم: هذه المنتجات تحتوي على تركيزات عالية من الدهون المشبعة ويجب تقليلها أو تجنبها قدر الإمكان.
● مراقبة الصوديوم (الملح): العديد من منتجات الأجبان تحتوي على كميات عالية من الصوديوم، مما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، وهو عامل خطر رئيسي لأمراض القلب, يجب اختيار الأجبان قليلة الملح وقراءة الملصقات بعناية.
● تجنب الألبان المضاف إليها زيوت مهدرجة: بعض منتجات الألبان، خاصة أنواع الأجبان المصنعة، قد تحتوي على دهون متحولة (Trans Fats) أو زيوت مهدرجة ضارة جداً بالقلب.
كيفية الإستفادة:
● بروتينات اللبن (الكازين و Whey protein ) : ينتج عن تحللهما ببتيدات صغيرة نشطة بيولوجياً (Bioactive Peptides) والتي ثبت أن لبعضها فوائد إيجابية على صحة القلب والأوعية الدموية . أبرز هذه الببتيدات هي اللاكتوتريببتيدات (Lactotripeptides) وبعض أنواع الكازوكينينات (Casokinins)، والتي تعمل بشكل رئيسي كمثبطات لإنزيم تحويل الأنجيوتنسين (ACE-inhibitors). هذا الإنزيم يسبب تضييق الأوعية الدموية ورفع ضغط الدم. تثبيطه يؤدي إلى ارتخاء الأوعية الدموية وخفض الضغط.● مصدر ممتاز للبوتاسيوم : تحتوي الألبان على البوتاسيوم الذي يلعب دوراً حاسماً في تنظيم ضغط الدم وتوازن السوائل في الجسم، مما يدعم صحة القلب.
● الزبادي ومنتجات الألبان المخمرة: تشير الأبحاث إلى أن تناول كميات معتدلة من منتجات الألبان (خاصة الزبادي) قد يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب التاجية.
الختام :
وهكذا، يتضح أن اللبن ومنتجاته، التي لطالما اعتُبرت ركيزة غذائية، تحمل مفتاحاً لصحة شاملة، شريطة اختيارها بحكمة ووعي. لم يعد الأمر مقتصراً على "هل نتناول الألبان أم لا؟" بل على " كيف نختار الألبان المناسبة؟"سواء كنت تبحث عن الأمان الغذائي في مواجهة عدم تحمل اللاكتوز عبر المنتجات الخالية منه أو المعالجة بالخمائر (كالزبادي والجبن)، أو تسعى لتحقيق الاستقرار والسكر عبر الخيارات القليلة الدسم والمحسوبة الكربوهيدرات لمرضى السكر، أو حتى تهدف لتعزيز صحة قلبك عبر تجنب الدهون المشبعة ، ( فلتكن الألبان على مائدتك مصدراً للفائدة الصحية لا للقلق منها).د/ صبحي ميخائيل صبحي غالي
باحث بمعهد بحوث تكنولوجيا الأغذية



