الثلاثاء، 25 جمادى الثانية 1447 ، 16 ديسمبر 2025

د. فوزى محمد أبودنيا يكتب.. الامان البيولوجي وإرتباطه بانتشار حيوانات الشوارع

WhatsApp Image 2025-12-16 at 11.19.20 AM
د. فوزى محمد أبودنيا
أ أ
techno seeds
techno seeds
تمثّل الزيادة غير المنضبطة في أعداد الكلاب والقطط الضالة في الشوارع ظاهرة خطيرة تتجاوز كونها مشكلة بيئية عادية، لتلامس أبعادًا صحية، اجتماعية، وأمنية متعددة.

وعندما تُترك هذه المشكلة دون معالجة منهجية وفعّالة، فإنها لا تُشكل تهديدًا موضعيًا فحسب، بل تتحوّل إلى ما يمكن وصفه بالقنبلة البيولوجية الموقوتة، خاصة في ظل تحوّل بعض هذه الحيوانات إلى ناقلات فعّالة لمسببات الأمراض الخطيرة، وصولًا إلى احتمالية استغلالها في تهديدات بيولوجية استراتيجية. وسوف نتناول في هذا المقال مجموعة من الأبعاد التي يحتمل أن تنجم عن هذه الظاهرة.

أولًا: الأبعاد السلوكية والاجتماعية


في الحقيقة إن هذه الحيوانات تُعَدّ مصدرًا للقلق والترويع اليومي في الأحياء السكنية، ولها تأثيرات مباشرة على سلامة المواطنين نذكر منها:
–مهاجمة الفئات الضعيفة: قد تظهر الكلاب الضالة، خصوصًا عند الجوع الشديد، الشعور بالتهديد، أو حماية الجراء، عدوانية مفاجئة. من المتوقع أن يكون الأطفال وكبار السن هم الأكثر عُرضة للهجوم بسبب ضعف قدرتهم على الدفاع أو الهروب، وقد تحدث وفيات ناتجة عن هذه الهجمات.

–ترويع وإضعاف الشعور بالأمان: إن وجود مجموعات كبيرة من الكلاب الضالة في الأحياء يُسبب رعبًا نفسيًا مستمرًا ويُقيّد حرية الحركة، خاصة في ساعات المساء، مما يُضعف الإحساس العام بالأمان. لقد أصبحنا نستمع ليل نهار الى سيمفونية أصوات الحيوانات الضالة ليل نها وأصبحنا لا نستطيع الراحة والنوم في منازلنا من كثرة النباح وارتفاع تلك الأصوات.

ثانيًا: الأبعاد المرتبطة بمخاطرالأمراض المشتركة (Zoonotic Diseases)


للأسف الشديد فان حيوانات الشوارع، وخصوصًا الكلاب، تُعدّ خزّانًا رئيسيًا وناقلًا لأخطر الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان (Zoonoses)، مما يجعلها تهديدًا مباشرًا للصحة العامة:

المرض: داء الكَلَب (Rabies)

المسبب: فيروس

طريقة الانتقال الرئيسية للإنسان: عضّة حيوان مصاب (خاصة الكلاب)

الخطورة: قاتل بنسبة 100% تقريبًا بمجرد ظهور الأعراض.

داء الكَلَب يُعد من المشكلات الصحية الكبرى التي تستهلك جزءًا كبيرًا من ميزانيات الصحة العامة في العديد من الدول النامية.

المرض: اللّشمانيا (Leishmaniasis)

المسبب: طفيلي

طريقة الانتقال الرئيسية للإنسان: ذبابة الرمل (والكلاب خزان)

الخطورة: يؤدي إلى أشكال جلدية أو حشويه خطيرة قد تكون مميتة.

المرض: داء (Toxocariasis)

المسبب: يرقات دودة (Toxocara canis)
طريقة الانتقال الرئيسية للإنسان: تلوث بيئي ببراز الكلاب
الخطورة: يُصيب الأطفال ويُسبب عمى جزئيًا أو مشاكل عصبية.

المرض: اللبتوسبيرا (Leptospirosis)

المسبب: بكتيريا
طريقة الانتقال الرئيسية للإنسان: التعرض لبول حيوان مصاب
الخطورة: قد تسبب إنتانات خطيرة وفشلًا كلويًا أو كبديًا.

ثالثًا: الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية لظاهرة حيوانات الشوارع


تتجاوز المشكلة الخطر الصحي المباشر لتؤثر على التنمية والبنية التحتية:
–ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية: يُمثّل علاج العضّات، تكاليف التحصين ضد الكَلَب، ومضاعفات الأمراض المشتركة عبئًا ماليًا ضخمًا على الأنظمة الصحية والميزانية العامة.

–تأثير على الإنتاجية: إصابة أفراد في سنّ العمل أو تسبب عاهات دائمة للأطفال جراء هذه الأمراض والهجمات يؤثر سلبًا على الاقتصاد الوطني على المدى الطويل.

–وصمة اجتماعية وسياحية: انتشار الحيوانات الضالة يُضعف جاذبية المدن، ويوحي بضعف التنظيم، مما يؤثر سلبًا على السياحة والاستثمار الأجنبي.

رابعًا: أبعاد الخطر البيولوجي الاستراتيجي كناقلات للهجمات المرضية غير التقليدية


هنا تكمن الخطورة الأعمق والأكثر استراتيجية نتيجة إمكانية استغلال هذه الحيوانات كوسيلة لنقل عوامل بيولوجية مُهندَسة أو مُختارة لتنفيذ هجمات بيولوجية غير تقليدية. إن الأعداد الكبيرة والمبعثرة لهذه الحيوانات تُوفر قناة جاهزة و"طبيعية" لنشر عوامل بيولوجية في مدن مأهولة، بهدف:

–إحداث ذعر جماعي واسع النطاق.

–شلّ النظام الصحي الوطني.

–إضعاف البنية التحتية الاقتصادية والأمنية للدولة.

الاستغلال الخطر المحتمل لحيوانات الشوارع

–ناقلات بيولوجية Biological Vectors: يمكن حقن كلاب أو قطط ضالة بعوامل ممرضة عالية الخطورة (مثل عترات فيروس الكَلَب المعدّل أو بكتيريا أخرى معدلة وراثيا) وإطلاقها في مناطق حيوية ومكتظة.

–إحداث انتشار مُربك: قد تنقل الحيوانات المرض مباشرة (عبر العضّ أو اللعاب) أو غير مباشرًا (عبر التلوث البيئي). في ظل ضعف أنظمة المراقبة الوبائية، يمكن أن ينتشر المرض قبل اكتشاف مصدره، مما يُربك الجهات الصحية والأمنية.

من العترات (سلالات) الميكروبية الخطيرة والتي تُصنّف كأسلحة بيولوجية (أمثلة) ويمكن حقنها في الحيوانات الضالة:

–بكتيريا الجمرة الخبيثة (Bacillus anthracis)

–فيروس الإيبولا (Ebola virus)

على الرغم أن الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية الأسلحة البيولوجية لعام 1972 تحظر تطوير أو استخدام هذه العوامل كأسلحة، فإن خطر التسريب أو الاستخدام غير المشروع من قبل دول مارقة أو جماعات إرهابية يظل قائمًا.

ما العمل وكيف نتصرف؟


إن مشكلة الحيوانات الضالة تتطلب معالجة شاملة وفورية، على اعتبارها أزمة أمن صحي ووطني، وليس مجرد مشكلة محلية بسيطة. يجب أن تتحول الإستراتيجية من التركيز على رد الفعل إلى التركيز على الوقاية والتحكم المنهجي:

–التحول إلى برامج مُنظمة: يجب استبدال الأساليب غير الإنسانية وغير الفعّالة (مثل القتل العشوائي) ببرامج مستدامة قائمة على أسس علمية، أبرزها:

–الخصى الجماعي للذكور والذي يعتبر castration of males الأسلوب الأكثر إنسانية وفعالية لخفض الأعداد على المدى الطويل.
–التحصين الشامل ضد الكَلَب في المناطق الحضرية.

–التشريع والتوعية وذلك عن طريق تطبيق تشريعات صارمة ضد التخلي عن الحيوانات الأليفة، وإنشاء قاعدة بيانات للملكية.
–التعاون الحكومي بين مؤسسات الدولة المختلفة حيث يجب تفعيل التعاون بين وزارات الصحة، الزراعة، المحليات، والداخلية للتعامل مع المشكلة كأزمة شاملة.

–الأمن الحيوي والمراقبة عن طريق تضمين الاستعداد للتهديدات البيولوجية ضمن الخطط الوطنية للأمن الصحي، بما في ذلك المراقبة البيئية الوبائية المستمرة للحيوانات الضالة.

ا. د. فوزى محمد أبودنيا
مدير معهد بحوث الإنتاج الحيواني سابقا
اشترك في قناة اجري نيوز على واتساب اشترك في قناة اجري نيوز على جوجل نيوز
icon

الأكثر قراءة