يعتبر البنجر الأحمر (Beta vulgaris L.) من الخضروات المذهلة التي تجمع بين القيمة الغذائية العالية والفوائد الصحية المتعددة. يمتاز بلونه الأحمر الغني وصبغاته الطبيعية، ويُستخدم منذ آلاف السنين في الغذاء والدواء.
فقد استُخدم البنجر في حضارة بابل القديمة خلال القرن الثامن، وكان الرومان واليونانيون يستهلكونه لأوراقه وجذوره لما له من خصائص علاجية. يُزرع البنجر على نطاق واسع في مناطق البحر الأبيض المتوسط، أوروبا، شمال إفريقيا، آسيا، وبعض مناطق أمريكا، ويتميز بأنه نبات عشبي ثنائي حولى، يصلح زراعته من يونيو وحتى نوفمبر.
أصبح البنجر جزءًا هاماً من النظام الغذائي اليومي، وبذلك أحتل مكانة بارزة كـطعام فائق الفوائد (Superfood). وبالتالى أصبح محط أنظار العلماء والباحثين فى الآونة الأخيرة.
الفوائد الغذائية للبنجر الأحمر
يعتبر البنجر غذاءً فائق القيمة (Superfood) لما يحتويه من فيتامينات ومعادن مهمة مثل A وC وE وK ومجموعة فيتامينات B، بالإضافة إلى البوتاسيوم، الزنك، الصوديوم، الفوسفور، الكالسيوم، والمغنيسيوم، وحمض الفوليك الضروري لتكوين الخلايا.ويتكون البنجر تقريبًا من:
• رطوبة %87.5
• ألياف غذائية2.8 %
• بروتين %1.6
• دهون %0.16
• رماد معدني %1.08
• كربوهيدرات %9.5
تتوزع هذه المركبات بشكل مختلف بين الجذر، القشرة، الساق، والأوراق، حيث تحتوي الأوراق على نسبة أعلى من الكاروتينات الضرورية لصحة العين والمناعة.
كذلك يحتوى البنجر على مركبات هامة التى تشمل ما يلى :
• البيتالينات والفينولات والفلافونويدات
حيث أشارت الدراسات الحديثة فى هذا الصدد أن البنجر الأحمر يحتوي على كمية كبيرة من المركبات النباتية النشطة، مما يجعله غذاءً صحيًا غنيًا بالعناصر المفيدة للجسم. إلى جانب البيتالينات، يحتوي البنجر على الفلافونويدات، الأحماض الفينولية، ومضادات الأكسدة التي يتم امتصاصها بسهولة في الجسم وتتميز بتوافر حيوي عالٍ.
وتشير الدراسات إلى أن البيتالين يصنف ضمن أفضل عشرة خضروات من حيث قوة النشاط المضاد للأكسدة، كما أظهرت الدراسات أن البنجر يمتلك أعلى محتوى من المركبات الفينولية الكلية بين الخضروات.
يحتوي البنجر أيضًا على حمض الأكساليك، كما تحتوي مستخلصاته على فلافونويدات، صابونينات، وترايتيربينات مفيدة للصحة.
يُلاحظ أن الجذور عادةً تحتوي على أقل كمية من المركبات الفينولية، بينما تكون الفلافونويدات أكثر تركيزًا في السيقان والأوراق والزهور، وهي المسؤولة عن تلوينها ولها خصائص مضادة للأكسدة وفعالة في دعم الصحة.
تجدر الإشارة إلى أن طرق تجهيز البنجر تؤثر على محتوى الفلافونويدات، فقد يقل المحتوى أثناء التجفيف أو الحرارة. أشارت الدراسات إلى أن محتوى المركبات الفينولية الكلية يختلف بين منتجات البنجر: فقد وجدوا أن البنجر المطبوخ يحتوي على 2.79 ملجم/جم من المكافئ الجالوتي للفاينول الكلي، بينما كان عصير البنجر أعلى قليلًا عند 3.67 ملجم/جم، أما رقائق البنجر فكانت الأقل (0.75 ملجم/جم) بسبب فقدان المركبات أثناء التجفيف.
وبالتالي، فإن اختيار طريقة التحضير المناسبة للبنجر أمر ضروري للحفاظ على فوائده الصحية وضمان الاستفادة المثلى من مركباته النشطة.
• النترات الطبيعية: تتحول في الجسم إلى أكسيد النيتريك، ما يساعد على خفض ضغط الدم وتحسين الدورة الدموية.
• الأحماض الأمينية: مثل الثريونين والفالين والميثيونين، والتي تعزز صحة الجسم بشكل عام.
فوائد البنجر الصحية المذهلة
تشير الأبحاث الحديثة إلى أن للبنجر تأثيرات صحية مدهشة تشمل:• دعم صحة القلب والأوعية الدموية: النترات الطبيعية في البنجر تتحول إلى أكسيد النيتريك داخل الجسم، مما يساعد على خفض ضغط الدم وتحسين وظائف الأوعية الدموية.
• مضاد للأكسدة والالتهابات: البيتالين والفلافونويدات تقلل من الالتهابات وتحمي الخلايا من الضرر التأكسدي، ما يساهم في الوقاية من أمراض القلب والسرطان.
• خصائص مضادة للسرطان: المركبات النشطة في البنجر تساعد على إبطاء نمو الخلايا السرطانية وتحفيز موتها المبرمج (Apoptosis)، خاصة في سرطان المثانة والمبيض والقولون.
• تحسين القدرة البدنية والطاقة: النترات تعزز استخدام الأكسجين أثناء التمرين، ما يزيد من التحمل والأداء الرياضي. حيث أن عصير البنجر الطبيعي أصبح رمزًا للطاقة والصحة، إذ يمد الجسم بالسكريات الطبيعية والنترات المفيدة، ويعتبر من الأغذية المفضلة للرياضيين.
• تعزيز وظائف الكبد والكلى: المواد النشطة تساعد على إزالة السموم من الكبد وتحسين صحة الجهاز البولي.
• التأثير الإيجابي على المزاج والضغط النفسي: مستخلص البنجر يحتوي على مضادات أكسدة تساعد على خفض التوتر وتحسين الحالة المزاجية. حيث يمتلك قدرة علاجية في اضطرابات التوتر النفسي والاكتئاب.
• صحة الجهاز الهضمي: الألياف تحسن حركة الأمعاء وتقلل مستويات الكوليسترول.
• دعم الحمل: غنى البنجر بحمض الفوليك يدعم نمو الجنين ويقلل خطر التشوهات الخلقية.
• كما يعد عصير البنجر من المشروبات الوظيفية التي حظيت باهتمام كبير في السنوات الأخيرة، ذلك لاحتوائه على نسب عالية من النترات، ومضادات الأكسدة، والفيتامينات، والمركبات الفينولية.
تلعب هذه المركبات النشطة دورًا مهمًا في تحسين عمليات التمثيل الغذائى، وتعزيز صحة الأوعية الدموية، وتقليل الإجهاد التأكسدي، وهي عوامل ترتبط بشكل وثيق بالسمنة.
تُساهم النترات الغذائية الموجودة في البنجر في تحسين كفاءة الميتوكوندريا بالجسم وتعزيز استخدام الأكسجين، مما قد يُساعد على تحسين الأداء البدني وزيادة معدل حرق الدهون.
• كما يُعرف عصير البنجر بدوره في دعم وظائف الكبد وتنظيم أيض الدهون، مما قد يُسهم في إنقاص الوزن.وتُشير بعض الدراسات إلى أن تناول عصير البنجر بانتظام قد يُساعد في تقليل تراكم الدهون في الجسم وتحسين حساسية الإنسولين، مما يجعله خيارًا واعدًا في الوقاية من السمنة والسيطرة عليها، خاصةً عند دمجه مع نظام غذائي صحي ونمط حياة صحى.
التطبيقات الغذائية للبنجر الأحمر
على الرغم من استهلاك البنجر الأحمر بكميات كبيرة، إلا أن ليس الجميع على دراية بالفوائد الصحية الكبيرة لهذا النبات. تتوافر في الأسواق اليوم منتجات متنوعة مستندة إلى البنجر تلبي تفضيلات المستهلكين وتقاليد الطهي المختلفة، مع الحفاظ على الوظائف الصحية للمنتجات. يلبي تلبية الطلب المتزايد على الخيارات الغذائية الصحية رغبات المستهلكين، مما يساهم في زيادة المبيعات وحصة السوق ويعزز أيضًا زراعة البنجر وتوسع القطاع الزراعي.تؤثر العوامل البيئية وارتفاع درجات الحرارة العالمية على فترة تخزين الخضروات، مما يجعل المعالجة الغذائية من أهم الأساليب للحفاظ عليها، خاصةً الخضروات الموسمية.
إذا تم اختيار طريقة المعالجة المناسبة، يمكن الاحتفاظ بنفس القيمة الغذائية والمركبات النشطة الموجودة في المنتج الطازج. من بين طرق المعالجة الشائعة للبنجر: القلي، الغلي، الخَبز، والتجفيف، وكل منها يمكن أن يحافظ على فوائده الصحية ويزيد من متانته للتخزين والاستخدام.
أظهرت الدراسات أنه بعد المعاملة الحرارية للبنجر عند 80˚م لمدة 10 دقائق، يبقى محتوى المضادات الأكسدة في القشرة واللب عاليًا، بينما يقل محتوى الصبغة الطبيعية البيتالين، المسؤولة عن اللون الأحمر الزاهي للبنجر، كما تم تطوير مسحوق البنجر عبر تجميد العصير وتجفيفه بالرش، ليصبح مكوّنًا سهل الاستخدام في المنتجات الغذائية المختلفة.
يعد البنجر الأحمر اليوم أكثر من مجرد خضار تقليدي، فهو مكون غذائي متعدد الاستخدامات، يدخل في صناعة مجموعة واسعة من المنتجات التي تجمع بين القيمة الغذائية والطعم الجذاب:
1. الاستهلاك الطازج والمطهى:
• يُقدم البنجر كسلطة، أو يُطهى على البخار للحفاظ على الفيتامينات والمعادن.• أوراق البنجر الغنية بالكراتينوييدات تُستخدم مطهية أو مقليّة لتوفير مضادات أكسدة طبيعية.
2. العصائر والمشروبات الصحية:
• عصير البنجر الطازج يُعد مشروبًا غنيًا بالنترات والفلافونويدات، يُساهم في خفض ضغط الدم وتحسين الأداء الرياضي.• كما تُستخدم تركيزات البنجر في عصائر مختلطة مع الفواكه والخضروات لإضفاء اللون الطبيعي والفوائد الصحية.
3. المساحيق والجيل الغذائي:
• إنتاج مسحوق البنجر المجفف عبر تقنيات مثل التجفيف بالتجميد أو الرش، يُستخدم في المكملات الغذائية والأطعمة الوظيفية.• الجيل الغذائي للبنجر هو ابتكار حديث، يتيح تعزيز مستويات النترات، الفينولات، الفلافونويدات والألياف، مع تحسين الطعم والملمس.
4. المنتجات المقرمشة والمخبوزات:
• شرائح البنجر المقرمشة كبديل صحي للوجبات الخفيفة، تحتوي على مضادات أكسدة قوية وسكر طبيعي منخفض السعرات.• يُضاف البنجر إلى المخبوزات لتعزيز القيمة الغذائية واللون الطبيعي دون الحاجة للأصباغ الصناعية.
5. التلوين الطبيعي للأطعمة:
• اللون الأحمر الغني للبنجر يُستخدم في تحسين مظهر المنتجات الغذائية مثل الحلويات، الصلصات، والعصائر، وهو بديل آمن وعضوي للألوان الصناعية.• هذا الاستخدام يلبي الطلب المتزايد على المكونات الطبيعية والصحية في الصناعات الغذائية الحديثة.
6. التطبيقات المستقبلية والابتكارية:
• تطوير منتجات غنية بالنترات والفلافونويدات لتعزيز الصحة القلبية والأداء الرياضي.• إدماج البنجر في الأطعمة الوظيفية والمكملات الغذائية لدعم الصحة العامة، مقاومة الإجهاد، وتنظيم مستويات السكر والدهون في الدم.
توفر هذه المنتجات للمستهلك خيارات صحية ولذيذة، وتدعم السوق الزراعي وصناعة الأغذية الوظيفية، بما يجعل البنجر عنصرًا محوريًا في تعزيز التغذية الصحية.
وبصفة عامة يمكن القول أن البنجر الأحمر ليس مجرد خضار، بل هو كنز غذائي وطبيعي يمتد تاريخه لآلاف السنين ويظل محور اهتمام العلماء والصناعات الغذائية على حد سواء.
فوائده تتجاوز التغذية الأساسية لتشمل الوقاية من الأمراض وتعزيز الطاقة والمزاج والأداء البدني، مما يجعله أحد أبرز الأطعمة الفائقة التي تستحق أن تكون جزءًا من النظام الغذائي اليومي لكل شخص يسعى لصحة أفضل وحياة أطول.
إعداد
د. مها إبراهيم كمال على
مركز البحوث الزراعية -معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية



