السبت، 15 جمادى الثانية 1447 ، 06 ديسمبر 2025

الدكتور فوزي محمد أبو دنيا يكتب.. هشاشة تحقيق الاكتفاء الذاتي في قطاع الدواجن في مصر

الدكتور فوزي محمد أبو دنيا
الدكتور فوزي محمد أبو دنيا
أ أ
techno seeds
techno seeds
من منطلق إن صناعة الدواجن في مصر ركيزة أساسية للأمن الغذائي القومي، باستثمارات تتجاوز 100 مليار جنيه وتوفر ملايين فرص العمل. لكن، ورغم الوصول إلى عتبة الاكتفاء الذاتي الإنتاجي، يظل هذا القطاع شديد الهشاشة أمام الصدمات الاقتصادية والبيئية والوبائية العالمية، لعدم تحقيق الاكتفاء الذاتي النوعي في حِلقات الإنتاج الأساسية. إن الواقع الحالي لقطاع الدواجن في مصر يشير إلى اكتفاء ذاتي كمّي، حيث تغطي البلاد نحو 95% إلى 98% من احتياجاتها من لحوم الدواجن وحوالي 100% من بيض المائدة، وتستهدف التصدير. ومع ذلك، فإن هذا الاكتفاء يواجه هشاشة هيكلية خطيرة نابعة من التبعية للخارج في مدخلات الإنتاج الرئيسية.

أولا: عوامل ومظاهر الهشاشة الرئيسية

تتركز هشاشة قطاع الدواجن في ثلاثة محاور رئيسية:

أ. التبعية المطلقة في مدخلات الأعلاف (الركيزة الأكبر)

– الاعتماد على الاستيراد: تستورد مصر ما يقدر بـ 70% إلى 80% من خامات الأعلاف اللازمة للقطاع، وخاصة الذرة الصفراء وفول الصويا ومركزات البروتين.
– تضخيم التكلفة: تمثل الأعلاف ما بين 70% و 75% من التكلفة الكلية لإنتاج الدواجن، مما يجعل سعر المنتج النهائي مرتبطاً بشكل مباشر بأسعار الصرف العالمية وأسعار البورصات الدولية للحبوب.

ب. الصحة البيطرية والتبعية في الأمن الحيوي 

– الأدوية واللقاحات: هناك تبعية شبه كاملة لاستيراد الأدوية البيطرية واللقاحات والأمصال والبريمكسات (مخاليط الفيتامينات والمعادن)، حيث تشير التقديرات إلى استيراد نحو 97% من هذه المستلزمات الحيوية.
– الوضع الوبائي: يعد فيروس إنفلونزا الطيور وباءً متوطناً منذ عام 2006، بالإضافة إلى أمراض أخرى (مثل النيوكاسل والجمبورو)، مما يفرض عبئاً على المربين ويزيد من الحاجة إلى اللقاحات المستوردة لضمان الأمان الحيوي.

ج. التبعية في الجينات والأصول الوراثية

– قطعان الأمهات والجدود: لا تزال الصناعة تعتمد على استيراد قطعان الجدود (Grandparents) أو الأمهات (Parent Stock) بشكل كبير لتوفير كتاكيت التسمين والبياض، مما يجعلها "صناعة تجميع" وليست صناعة متكاملة وراثياً.

ثانيا: كفاءة قياس الهشاشة ومعايير القياس
تُقاس كفاءة الهشاشة بمدى انكشاف القطاع على المتغيرات الخارجية، مما يعرضه للانهيار عند وقوع أزمات. وتُحدد معايير القياس كما يلي:

المعيار الأول: مؤشر التبعية العلفية

– كفاءة القياس (المؤشر): نسبة المكون المستورد إلى إجمالي الأعلاف المستهلكة (تقدر حالياً بـحوالى 70-80%).
– دلالة الهشاشة: ارتفاع النسبة يعني ارتفاعاً شديداً في الهشاشة، وحساسية قصوى لتقلبات سعر الدولار والشحن.

المعيار الثاني: مؤشر التغطية البيطرية المحلية

– كفاءة القياس (المؤشر): نسبة الإنتاج المحلي من اللقاحات والأمصال إلى إجمالي الاستهلاك (تقدر حالياً بنحو 3-5%).
– دلالة الهشاشة: انخفاض النسبة يعني هشاشة حرجة في مواجهة الأوبئة (الحيوي)، والتعرض لنقص حاد في المستلزمات الحافظة للأرواح الداجنة عند نقص العملة الصعبة. 

المعيار الثالث: مؤشر حساسية التكلفة

– كفاءة القياس (المؤشر): نسبة مكون التكلفة الدولارية (الأعلاف والأدوية) من سعر البيع النهائي للدواجن (تقارب 75%).
– دلالة الهشاشة: ارتفاع النسبة يترجم إلى انتقال فوري للأزمة من مستوى الاقتصاد الكلي إلى مستوى المستهلكين والمربين.

المعيار الرابع: مؤشر الاستقرار الإنتاجي

– كفاءة القياس (المؤشر): معدل خروج صغار المربين أو نسبة انخفاض الطاقة الإنتاجية للقطاع في فترات الأزمات (مثلما حدث في أزمة الأعلاف في 2022).
– دلالة الهشاشة: زيادة هذا المعدل يدل على غياب "مخازن الصدمات" في السوق وعدم قدرة صغار المنتجين على الاستمرار.

المعيار الخامس: مؤشر الأمان الحيوي

– كفاءة القياس (المؤشر): عدد الإصابات الكبيرة والانتشار الجغرافي للأمراض الوبائية (مثل إنفلونزا الطيور) سنوياً.
– دلالة الهشاشة: توطن المرض وعدم السيطرة عليه بشكل كامل يزيد من الهشاشة الصحية والمالية للمزارع.

ولا يسعنا في النهاية إلا أن نقول إنه وبالرغم من أن مصر حققت الاكتفاء الذاتي كمّياً في الدواجن، إلا أن هذا الإنجاز محاط بإطار من الهشاشة الاقتصادية والصحية. وأننا نرى إن تجاوز هذه الهشاشة يتطلب التوسع في زراعة خامات الأعلاف محلياً (الذرة والصويا)، ودعم توطين صناعة اللقاحات والأدوية البيطرية والعمل على تطوير السلالات الوراثية المحلية.
اشترك في قناة اجري نيوز على واتساب اشترك في قناة اجري نيوز على جوجل نيوز
icon

الأكثر قراءة