الأربعاء، 25 ربيع الأول 1447 ، 17 سبتمبر 2025

د. إيمان أحمد محمود السخاوى تكتب .. التغذية العلاجية بين إدارة الأمراض و تحسين جودة الحياة

مقال
د. إيمان أحمد محمود السخاوى تكتب .. التغذية العلاجية بين إدارة الأمراض و تحسين جودة الحياة
أ أ
techno seeds
techno seeds
تعرف التغذية (Nutrition)   بالعلم الذي يدرس كيفية حصول الجسم على العناصر الغذائية الضرورية للحفاظ على  النمو والوظائف الحيوية و الصحة العامة و تعزيزها  من خلال الوقاية من الأمراض، وتحسين الأداء البدني والعقلي , كما تهدف إلى تحقيق توازن غذائي مثالي للجسم من خلال تناول الأطعمة المتنوعة والمغذّية لتشمل جميع الأفراد  سواء كانوا أصحاء أو مرضى , تُستخدم لتعزيز الصحة العامة، و تعتمد على المفاهيم الأساسية مثل إحتياجات الجسم من السعرات الحرارية، المغذيات الكبرى (كالبروتينات والدهون والكربوهيدرات)، والمغذيات الدقيقة (الفيتامينات والمعادن).
أما التغذية العلاجية (Medical Nutrition Therapy - MNT)  فهى فرع متخصص من علم التغذية نلجأ فية إلى إستخدام النظام الغذائي كجزء من الخطة العلاجية للأمراض المختلفة كأداة علاجية للمساهمة في الوقاية منها  أو علاجها أو  إدارتها أو تحسين صحة المريض  وتعتبر  جزء من الرعاية الطبية تُطبّق على الأفراد الذين يعانون من حالات صحية تتطلب نظاما ًغذائياً خاصاً  حيث تُساهم في تحسين الإستجابة للعلاج الدوائي والجراحي، والوقاية من المضاعفات أو تخفيفها ، وتسريع عملية الشفاء عن طريق  تعديل النظام الغذائي وفقًا للحالة الصحية للمريض -  فهي بمثابة  جزء أساسي في عملية  إدارة الأمراض المزمنة  كالسكري، أمراض القلب، وأمراض الكلى و غيرها من الحالات المرضية  و ذلك  بالتحكم  فى الأعراض و المضاعفات وتقليل الحاجة للأدوية و يتم  ذلك من خلال تقييم الحالة التغذوية للمريض، تحديد الإحتياجات الغذائية، و وضع خطة غذائية فردية تناسب حالته.
و لفهم دور التغذية العلاجية لابد أن نتفهم  الأتى : 
أولا ً طبيعة المرض و ما يصاحبة  من إضطراب في ظائف الجسم ,  فهو أي حالة تؤثر على وظائف الجسم الطبيعية سواء كان ذلك بسبب عدوى، إضطراب في الجهاز المناعي، عوامل وراثية، أو نمط حياة غير صحي, كما تختلف طبيعة الأمراض في تأثيرها على الجسم، فمنها الحادة التي تظهر فجأة وتنتهي بسرعة، ومنها المزمنة التي تستمر لفترات طويلة وتتطلب إدارة مستمرة و لذلك تم تصنيف الامراض إلى : 
1-أمراض معدية تسببها الكائنات الحية الدقيقة مثل البكتيريا والفيروسات (مثل الإنفلونزا والتهاب الكبد).
2-أمراض غير معدية  تشمل الأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم.
3-أمراض نقص التغذية  تحدث نتيجة نقص الفيتامينات أو المعادن (مثل فقر الدم بسبب نقص الحديد).
4-أمراض التمثيل الغذائي  مثل السمنة واضطرابات الغدة الدرقية.
إن فهم طبيعة المرض و أعراضة (العلامات أو التغيرات التي تظهر على الشخص نتيجة الإصابة بمرض معين ) يساعد في تحديد نوع الغذاء المناسب لكل حالة، مما يسهم في  التخفيف من الأعراض المرضية و  تقليل الالتهابات أو الآثار الجانبية للمرض و تحسين نتائج العلاج و تعزيز عملية الشفاء.
ثانياً العلاقة بين  الغذاء و المرض  
أوضحت العديد من نتائج الدراسات العلمية  أن  هناك  علاقة بين  الغذاء و المرض فقد وجد أن  الغذاء يلعب  دوراً أساسياً في تطور المرض أو الوقاية منه أو حتى علاجه,  فالنظام الغذائي غير المتوازن قد يكون سبباً رئيسياً للإصابة بأمراض مثل السكري وأمراض القلب، بينما يمكن أن يكون أيضاً أداة علاجية فعالة عند إستخدامها بشكل صحيح- و قد تعددت مهامه فمنها : 
1- الوقائي  فنجد أن تناول الغذاء الصحي الغني بالخضروات والفواكه يعزز المناعة ويقلل من خطر الإصابة بالأمراض .
2- العلاجي  فبعض الأطعمة تساعد في تخفيف الأعراض المرضية مثل الأطعمة الغنية بالألياف لعلاج الإمساك .
3-تأثيرات  سلبية  عند سوء التغذية فتناول الأطعمة الغنية بالدهون المشبعة والسكريات قد يزيد من خطر الأمراض المزمنة مثل السمنة وإرتفاع ضغط الدم.
ثالثاً التداخل بين مكونات الغذاء والدواء
يُعرف التداخل بين الغذاء والدواء بأنه التأثير الذي يحدث عندما تتفاعل بعض   مكونات  الأغذية مع الأدوية، مما قد يؤثر على فعاليتها أو يسبب آثاراً جانبية غير متوقعة ,  فقد يؤدي هذا التداخل إلى زيادة أو تقليل امتصاص الدواء، أو تغييره داخل الجسم، مما يؤثر على تأثيره العلاجي.
1- تأثير الغذاء على امتصاص الدواء فبعض الأطعمة يمكن أن تزيد أو تقلل من إمتصاص بعض الأدوية  كتناول (الحليب ومشتقاته و ما بها من كالسيوم)  نجد أنها  تقلل من إمتصاص الدواء، مما يقلل من فعاليته (المضادات الحيوية مثل التتراسيكلين )  كما أن  تناول الدهون الصحية مع بعض الفيتامينات (A، D، E، K) يساعد على إمتصاصها بشكل أفضل.
2-تأثير الغذاء على إستقلاب (تحويل) الدواء في الجسم فبعض الأطعمة تؤثر على إنزيمات الكبد المسؤولة عن تحليل الأدوية مثل عصير الجريب فروت يتداخل مع بعض الأدوية مثل أدوية الضغط والكوليسترول (الستاتينات)، حيث يمنع تفكيك الدواء في الكبد، مما يؤدي إلى تراكمه في الجسم وزيادة خطر الآثار الجانبية , كما أن تناول الكحول مع أدوية الكبد أو الأعصاب يمكن أن يزيد من سُميّة الأدوية.
3- تأثير الغذاء على فعالية الدواء   فبعض الأطعمة قد تزيد أو تقلل من تأثير الدواء. مثل  الأطعمة الغنية بفيتامين K (مثل السبانخ والبروكلي) تقلل من فعالية الأدوية المميعة للدم مثل الوارفارين، مما يزيد من خطر الجلطات و كذلك تناول الكافيين مع بعض أدوية الجهاز العصبي قد يزيد من التوتر أو الأرق.
4-تأثير الدواء على إمتصاص المغذيات فبعض الأدوية تقلل من إمتصاص بعض الفيتامينات والمعادن  مثل بعض أدوية المعدة مثل مضادات الحموضة (أوميبرازول) تقلل إمتصاص فيتامين   B 12 ، مما قد يسبب فقر الدم و كذلك  مدرات البول قد تؤدي إلى فقدان البوتاسيوم والمغنيسيوم، مما قد يسبب ضعف العضلات وعدم انتظام ضربات القلب.
رابعاً فهم طبيعة الأعراض المرضية 
مع إستعراض لأهم الأعراض المرضية و فهم ما يصاحبها من إضطرابات بوظائف الجسم  نستطيع إدراك تأثير الغذاء عليها : 
1- الحمى (إرتفاع درجة الحرارة) و ما يصاحبها من زيادة معدل الأيض،  و فقدان السوائل عن طريق التعرق، مما قد يؤدي إلى الجفاف الأمر الذي يزيد من حاجة الجسم للطاقة والسوائل لذلك  وجب الاتى: 
- شرب كميات كبيرة من الماء والسوائل (مثل العصائر الطبيعية، الشوربة، والأعشاب الدافئة).
- تناول الأطعمة الغنية بالبروتين (مثل الدجاج، السمك، والبيض) لدعم الجهاز المناعي.
- زيادة الفواكه والخضروات الغنية بفيتامين C ومضادات الأكسدة (مثل البرتقال، الليمون، والفلفل ) 
- تجنب المشروبات المحتوية على الكافيين (مثل القهوة والشاي الأسود) لأنها قد تسبب الجفاف.
2- الإسهال و  فقدان السوائل والأملاح المعدنية، مما قد يؤدي إلى الجفاف وسوء التغذية   لذلك يجب 
 - شرب محاليل الإماهة الفموية لتعويض فقدان السوائل والأملاح.
 - تناول الأطعمة قليلة الألياف مثل الأرز الأبيض، الموز، البطاطا المسلوقة، والزبادي.
 - شرب الشوربات الخفيفة لتعويض الأملاح المفقودة.
 - تجنب الأطعمة الدهنية، الحارة، والمقليات التي قد تزيد من الإسهال.
 - الإبتعاد عن منتجات الألبان إذا كانت تزيد الأعراض (خاصة عند الأشخاص الذين يعانون من عدم تحمل اللاكتوز).
3- الإمساك و تباطؤ حركة الأمعاء بسبب قلة تناول الألياف أو شرب الماء لذلك يجب 
 - زيادة تناول الأطعمة الغنية بالألياف مثل الخضروات الورقية، الفواكه، الحبوب الكاملة، والبقوليات.
 - شرب كميات كافية من الماء (8-10 أكواب يومياً).
 - تناول الأطعمة المحتوية على البروبيوتيك مثل الزبادي للمساعدة في تحسين صحة الأمعاء.
 - تجنب بعض الأطعمة مثل المعجنات، والأطعمة المقلية.
4-الغثيان والتقيؤ المتكرر  يؤدى لفقدان السوائل والعناصر الغذائية  لذلك يجب  
 - تناول وجبات صغيرة ومتكررة بدلاً من وجبات كبيرة.
 - شرب السوائل ببطء، مثل الماء، الزنجبيل، أو شاي النعناع، لتهدئة المعدة.
 - تناول أطعمة خفيفة وسهلة الهضم مثل التوست الجاف، البسكويت المملح، والأرز المسلوق.
 - تجنب الأطعمة الغنية بالدهون، التوابل القوية، والمشروبات الغازية.
5- فقدان الشهية  يؤدى لنقص العناصر الغذائية والسعرات الحرارية، مما قد يؤدي إلى فقدان الوزن وضعف المناعة لذلك يجب 
- تناول وجبات صغيرة متكررة غنية بالسعرات الحرارية والبروتينات 
- شرب العصائر الطبيعية للحصول على الطاقة والعناصر الغذائية بسهولة.
- استخدام التوابل الطبيعية والأعشاب لتحسين نكهة الطعام وتحفيز الشهية.
- تجنب الأطعمة التي تسبب النفور، والتركيز على الأطعمة المحببة للمريض.
6- التعب والإرهاق  و نقص الطاقة بسبب سوء التغذية أو نقص بعض الفيتامينات والمعادن.
- تناول مصادر الحديد (مثل اللحوم الحمراء، السبانخ، العدس) لمنع فقر الدم.
- الحصول على فيتامين B 12   من المصادر الحيوانية أو المكملات عند الحاجة.
- تناول الكربوهيدرات المعقدة (مثل الحبوب الكاملة) للحصول على طاقة مستدامة.
- تجنب السكريات البسيطة التي تسبب ارتفاعاً سريعاً ثم انخفاضاً في الطاقة.
و من خلال ما سبق من  إستعراض لأهم و أبسط  الأعراض المرضية  نستطيع فهم دور التغذية العلاجية و مساهمتها في تحسين الإستجابة للعلاج الدوائي ، والوقاية من المضاعفات، وتسريع عملية الشفاء و يتم ذلك من خلال : 
1-دعم وظائف الجسم و تحسين الحالة الصحية  أثناء المرض و تعزيز المناعة و تحسين التمثيل الغذائي، وتقليل الالتهابات .
2-الوقاية من المضاعفات الصحية  مثل السيطرة على مستويات السكر في مرضى السكري أو تقليل ضغط الدم لدى مرضى ارتفاع الضغط
3-تحسين فعالية العلاج الدوائي  فبعض الأدوية تحتاج إلى نظام غذائي معين لتحسين الإمتصاص أو لتقليل الآثار الجانبية.
4-التقليل من الآثار الجانبية للعلاج  مثل الغثيان، فقدان الشهية، أو نقص المغذيات الذي قد يحدث نتيجة إستخدام بعض العلاجات مثل العلاج الكيميائي.
5-تسريع الشفاء بعد العمليات الجراحية  فالتغذية الجيدة تقلل من خطر العدوى وتساعد في إلتئام الجروح بسرعة أكبر.
6-تحسين جودة الحياة عبر توفير تغذية مناسبة تُخفف من الأعراض وتُساعد في التعايش مع الأمراض المزمنة.
إن التغذية العلاجية هي عنصر أساسي في الرعاية الصحية، حيث تسهم في الوقاية من الأمراض وتحسين جودة الحياة فمن خلال تصميم خطط غذائية مخصصة، يمكن التحكم في العديد من الحالات المرضية وتحسين نتائج  العلاج  لذا، فإن تطبيق مبادئها  السليمة   يمكن أن يكون خطوة مهمة في رحلة العلاج لأي شخص يعاني من مشاكل صحية .
د. إيمان أحمد محمود السخاوى  باحث مساعد – معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية - مركز البحوث الزراعية -فرع الإسكندرية
اشترك في قناة اجري نيوز على واتساب اشترك في قناة اجري نيوز على جوجل نيوز
icon

الأكثر قراءة