يُعد الجبن أحد أكثر منتجات الألبان انتشارًا وتنوعًا على مستوى العالم. وقد تطورت صناعته على مدى قرون ليصبح عنصرًا غذائيًا معقدًا يجمع بين العلم والفن.

ويعود هذا التنوع إلى الاختلافات في أنواع الحليب المستخدمة، والكائنات الدقيقة المضافة، وتقنيات المعالجة، وفترات النضج. إضافةً إلى ذلك، فإن للجبن قيمة غذائية كبيرة تشمل البروتينات، الكالسيوم، الفيتامينات، والدهون الصحية، فضلاً عن تأثيراته الإيجابية على الصحة العامة، خاصة الأجبان المخمرة التي تدخل في تصنيف الأطعمة الوظيفية.

أولًا: التركيب الغذائي للجبن

يمثل الجبن مصدراً مركّزاً للعناصر الغذائية الموجودة في الحليب، ويختلف التركيب الغذائي باختلاف النوع، لكن المكونات الأساسية تشمل:

1- البروتين

يحتوي على نسب عالية من الكازين (80%) بروتينات الشرش (20%)

البروتين في الجبن له قيمة بيولوجية عالية، مما يجعله ممتازًا لبناء العضلات وتعزيز النمو.

2- الدهون

تختلف نسبة الدهون حسب نوع الجبن:

الجبن القريش: قليل الدسم (1– 4%)

الشيدر: دسم متوسط (30–35%)

البارميزان: غني بالدهون (حتى 40%)

تحتوي بعض الأجبان على الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة (مثل حمض البوتيريك)، التي تُظهر خصائص مضادة للالتهاب وتحسن صحة الأمعاء.

3- اللاكتوز

تقل كميته تدريجيًا خلال التخمير والنضج، ما يجعل الأجبان الصلبة والمعتقة مناسبة لمصابي عدم تحمل اللاكتوز.

4- المعادن والفيتامينات

الكالسيوم: ضروري لصحة العظام والأسنان.

الفوسفور، الزنك، والماغنيسيوم: تشارك في التمثيل الغذائي، وظائف المناعة، والإنزيمات.

فيتامين A وB2  و B12  وK2  : خاصة في الأجبان كاملة الدسم والمخمرة.

ثانيًا: تصنيفات الجبن وأنواعه المختلفة

1- حسب محتوى الرطوبة

التصنيف مثال نسبة الرطوبة القوام

 كريمية > 65% أجبان طرية ريكوتا، ماسكاربوني 

مطاطية بعض الشيء 45-60 % أجبان نصف صلبة جودة، إدام  

قاسية ومتفتت < 40 % أجبان صلبة شيدر، بارميزان 

2- حسب طريقة التصنيع والنضج

أجبان طازجة (غير ناضجة): مثل الجبن القريش، والريكوتا – ذات عمر قصير، تستهلك فورًا.

أجبان ناضجة أو معتقة: يتم نضجها من أسابيع إلى شهور، مثل الشيدر والجبن الأزرق.

أجبان بالعفن الأبيض أو الأزرق: مثل البري (قالب أبيض)، والروكفور (عفن أزرق).

3- حسب مصدر الحليب

الحليب البقري: الأكثر شيوعًا، نكهة خفيفة، دسم متوسط.

الحليب الجاموسي: غني بالدسم والبروتين، يستخدم في تصنيع جبن الموتزاريلا.

الحليب الغنمي والماعزي: نكهة قوية، محتوى غذائي مميز.

ثالثًا: تكنولوجيا تصنيع الجبن بالتفصيل

1- المعالجة الأولية للحليب

البسترة: للقضاء على البكتيريا الممرضة.

التعديل الدهني: لتوحيد محتوى الدسم حسب نوع الجبن المطلوب.

2- إضافة بادئات بكتيرية (Starter Cultures)

تقوم بتخمير اللاكتوز لإنتاج حمض لاكتيك.

تحدد نكهة وقوام الجبن.

تشمل سلالات : Lactococcus lactis, Streptococcus thermophilus  وغيرها.

3- التجبن (Curd Formation)

بالإنزيمات (المنفحة): تخثر الكازين وتكوين الخثرة.

بالحموضة: كما في بعض الأجبان الطازجة.

4- فصل الشرش (Whey) وتقطيع الخثرة يحدد حجم القطع مدى صلابة الجبن النهائي.

5- التمليح

لتحسين الطعم، زيادة مدة الحفظ، والتحكم في نمو الميكروبات.

6- الضغط والتشكيل

ضغط الخثرة لإزالة الشرش الزائد.

7- النضج  (Aging)  

في درجات حرارة محددة ورطوبة منظمة.

يتم خلاله تطور النكهة واللون والقوام.

رابعًا: الفوائد الصحية للجبن

1- صحة العظام

بفضل الكالسيوم، البروتين، وفيتامين D.

2- تحسين صحة الجهاز الهضمي

أجبان مثل الكيفير والبري تحتوي على بكتيريا بروبيوتيك مفيدة للقولون.

3- مضادات الأكسدة والمناعة

يحتوي على البيبتيدات النشطة بيولوجيًا التي تنتج أثناء النضج وتعمل كمضادات للأكسدة وخافضة لضغط الدم

4- الوقاية من أمراض القلب (في بعض الأنواع)

أجبان مثل الجبن السويسري والبارميزان تحتوي على فيتامين K2، الذي يساعد في تقليل ترسب الكالسيوم في الشرايين.

خامسًا: التحديات والقيود الصحية والبيئية

1- إرتفاع محتوى الصوديوم

قد يسبب مشاكل لمصابي ارتفاع ضغط الدم.

2- الدهون المشبعة

الأجبان كاملة الدسم قد تكون غنية بالدهون المشبعة، ويُوصى بالاعتدال في استهلاكها.

3- الأثر البيئي

إنتاج الجبن (خاصة من الحليب البقري) يستهلك المياه والطاقة، ويُسهم في انبعاثات الميثان.

سادسًا: الإضافات الصحية الحديثة إلى الجبن الطري والجاف لتعزيز قيمته الوظيفية

في ظل تزايد الاهتمام بالتغذية الوقائية والغذاء الوظيفي، أصبح التركيز في صناعة الجبن لا يقتصر على الجودة الحسية فقط (الطعم، القوام، المظهر)، بل امتد إلى تعزيز القيمة الصحية من خلال إدخال مكونات نشطة بيولوجيًا قادرة على الوقاية من الأمراض ودعم المناعة والصحة العامة.

1- الإضافات (Probiotics)

الوصف: هي بكتيريا نافعة، خاصة سلالات Lactobacillus و  Bifidobacterium.

الفائدة الصحية : تحسين صحة الأمعاء - تعزيز المناعة - الوقاية من القولون العصبي وبعض أنواع الحساسية.

الإستخدام:

في الأجبان الطرية مثل اللبن الرائب، الجبن القريش، اللبنة.

وقد تم أيضا تطوير الأجبان الجافة المعتقة مثل الشيدر والجبن السويسري بحيث تحتوي على بروبيوتيك مقاومة للحرارة والنضج.

أمثلة بحثية:

 Lactobacillus rhamnosus GG  و Bifidobacterium animalis subsp. lactis أظهرتا ثباتًا جيدًا في الجبن شبه الصلب لمدة تصل إلى 90 يومًا.

2- الألياف الغذائية القابلة للذوبان-   FOS (مثل الإنولين، فركتو أوليجوسكريات)

الوصف: هى ألياف ذائبة تُستخلص غالبًا من جذور النباتات.

والفائدة الصحية لها: تحسين صحة القولون - تعزيز نمو البكتيريا النافعة - خفض الكوليسترول وسكر الدم.

وتستخدم في أجبان طازجة وطريّة لتعويض الدسم  (fat replacer)وهى تحافظ على القوام وتزيد الإحساس بالشبع دون زيادة السعرات.

3- المركبات الحيوية والبيبتيدات النشطة (Bioactive peptides)

الوصف:  هى نواتج تحلل بروتينات الحليب خلال التخمر أو النضج.

والفائدة الصحية لها:
خفض ضغط الدم  (ACE inhibitors)- وايضا مضادة للأكسدة - ولها نشاط مضاد للبكتيريا والفطريات

الإستخدام:
هى تعزز طبيعيًا أثناء نضج الجبن الجاف.

ويمكن تحفيز إنتاجها بإضافة إنزيمات أو بادئات منتقاة

4- المعادن والفيتامينات المضافة  (Functional fortification)

ومن أمثلتها :الكالسيوم : لدعم صحة العظام (خاصة في الجبن منخفض الدسم)

فيتامين D3: ويُضاف لتعويض نقصه الطبيعي في الجبن.

فيتامين K2 (ميناكينون-7): مفيد لصحة القلب والأوعية

الاستخدام:

هو شائع في أجبان الأطفال وكبار السن أو منتجات "الجبن المدعم " (Fortified Cheese) 

يمكن دمجها دون التأثير على الطعم أو النكهة.

5- المستخلصات النباتية والمركبات الطبيعية

 مستخلصات الثوم، الزعتر، الكركم، الشاي الأخضر

الفوائد:

نشاط مضاد للأكسدة - مضاد للبكتيريا - تعزيز الطعم والنكهة  (Flavor enhancer)

الإستخدام:

تجريبية وتطبيقية في الجبن الطري والمنكّه.

ويجب ان يُراعى التوازن في الجرعة لتجنب الطعم النفّاذ.

6- بدائل الملح الصحية  (Sodium replacers)

الوصف: تعمل على تقليل الصوديوم باستخدام كلوريد البوتاسيوم أو خليط منه مع أعشاب.

الفائدة: تقليل خطر ارتفاع ضغط الدم - الحفاظ على الطعم بوجود توابل طبيعية

خاتمة:
يمثل الجبن غذاءً معقدًا ذا قيمة غذائية عالية، وفوائد صحية متعددة، وتنوع هائل في الأشكال والنكهات والوظائف. كما أن تكنولوجيا تصنيع الجبن تشكل حجر الزاوية في تطوير أجبان متخصصة ذات خصائص وظيفية وغذائية متميزة. ولا تزال الأبحاث العلمية مستمرة في استكشاف التأثيرات الصحية والبكتيرية والإنزيمية التي تطرأ أثناء النضج والتخمير.


إعداد: د. محاسن محمود محمد
قسم بحوث تكنولوجيا تصنيع الألبان بمعهد بحوث تكنولوجيا الأغذية – مركز البحوث الزراعية