في زحام الأسواق، وأمام رفوف العرض الممتلئة، وفي زوايا الباعة الجائلين، تبدأ يوميًا رحلة آلاف الأسر للبحث عن الغذاء، وهي رحلة قد تبدو بسيطة، لكنها محاطة بكثير من المخاطر الصحية، خاصةً عندما تغيب الاشتراطات الأساسية للنظافة وجودة الأطعمة.

في هذا الدليل الموسّع، نسلّط الضوء على أبرز النقاط التي يجب مراعاتها أثناء عملية شراء وتخزين الأغذية، بدءًا من اختيار مكان الشراء وحتى طريقة نقلها إلى المنزل، مع تقسيم شامل حسب أنواع الأغذية. الهدف واحد: صحة أسرتك وسلامة طعامك.

أولاً: البيئة المحيطة ومكان العرض

الخطوة الأولى في التسوق الآمن تبدأ قبل لمس الطعام نفسه, من الضروري أن تنتبه إلى البيئة التي تُعرض فيها الأطعمة. كل طعام يجب أن يكون مرفوعًا عن الأرض، ومُعرضًا على أماكن نظيفة ومرتفعة، وبعيدًا عن أي مصدر للتلوث أو القاذورات.

تجنب تمامًا شراء أي صنف من الأطعمة موضوع في جوالات مباشرة على الأرض، خاصة إذا كانت المنطقة المحيطة ملوثة أو غير نظيفة. فوجود القاذورات والحشرات بالقرب من الطعام يُعد خطرًا صحيًا مباشرًا.

أيضًا، يُنصح باختيار محل بيع الغذاء الذي يخلو – قدر الإمكان – من الحشرات أو الحيوانات، سواء كانت طيورًا أو قططًا أو حتى ذبابًا. هذه الكائنات تُعد من أكثر الوسائط لنقل البكتيريا والطفيليات.

ولا تقل أهمية طريقة العرض عن مكان العرض، فالأفضل أن تكون الأطعمة مغطاة لحمايتها من الغبار والحشرات، كما أن الأطعمة المكشوفة تلتقط الميكروبات بسهولة، خاصة في الأسواق المفتوحة.

وأخيرًا: الامتناع التام عن استخدام الأكياس البلاستيكية السوداء في تعبئة أو حمل الطعام. هذه الأكياس غالبًا ما تُصنع من مواد معاد تدويرها وغير مخصصة للاستخدام الغذائي، وقد تطلق مواد سامة عند ملامستها للأطعمة.

ثانيًا: الأطعمة الطازجة (الخضراوات والفاكهة)

الخضراوات والفواكه تمثل عنصرًا رئيسيًا على مائدة الطعام، لذا وجب التعامل معها بحرص كبير.
بالنسبة للخضراوات الورقية – كالخس والبقدونس والجرجير – يُفضل وضعها داخل كيس بلاستيكي برفق، وتجنب وضعها أعلى أطعمة لينة أو قابلة للتلف بسهولة مثل الطماطم أو الفاصوليا. الضغط الزائد قد يفسد الطعم ويزيد من احتمالية التلف.

كما يجب تعبئة أي نوع خضار أو فاكهة في كيس قبل وضعه على الميزان. هذا الإجراء البسيط يقلل من خطر انتقال الميكروبات من صنف إلى آخر، خاصة إذا كان البائع لا يغير قفازاته أو أدواته بين كل نوع وآخر.

ثالثًا: اللحوم الطازجة – الحذر واجب!

عند الحديث عن اللحوم، فإننا نتحدث عن أكثر الأطعمة قابلية للتلف ونقل الأمراض إذا لم تُحفظ وتُشترى بطريقة سليمة. وأهم قاعدة: لا تشترِ أي لحوم معروضة للبيع في الشارع أو على الأرصفة، مهما بدا مظهرها طازجًا.

يجب التأكد من أن اللحوم محفوظة داخل ثلاجات على درجة حرارة لا تتجاوز 5 درجات مئوية.
عند الشراء، أصرّ على تغليف اللحم قبل وزنه في أكياس شفافة أو أطباق فوم، وتجنب الأكياس السوداء.

عند شراء لحوم معبأة، راجع دائمًا تاريخ الإنتاج والانتهاء. ثم افحص اللحم جيدًا: اللون الغامق المائل إلى البني أو النبيتي، أو وجود نسبة كبيرة من الدهون، علامات يجب أن تدفعك لإعادة العبوة إلى مكانها.

إذا لاحظت أن اللحم غير مجمد جيدًا – أي أنه نصف متجمد – فتجنب شراؤه، لأن درجة حرارة الحفظ تكون قد ارتفعت، مما يُهيئ البيئة المناسبة لتكاثر الميكروبات. درجة الحرارة المثالية للحفظ المجمد يجب أن تكون أقل من -18 درجة مئوية.

أما اللحم المفروم، فيُفضل فرمه أمامك وقت الشراء. اللحوم المفرومة مسبقًا تكون عرضة أكبر للفساد نتيجة تعرضها للهواء والبكتيريا.
تأكد من أن ماكينة الفرم يتم تنظيفها بعد كل استخدام، وأنها مصنوعة بالكامل من الاستانلس ستيل، وليس أي مواد أخرى قد تتفاعل مع اللحم أو تصدأ.

احذر أيضًا من أي لحم مائل للبني أو الأخضر أو به بقع بنفسجية أو سوداء – فهذه علامات فساد واضحة.
وابتعد عن شراء أي لحوم أو دواجن ملمسها لزج أو عليها مادة مخاطية، أو لها رائحة غريبة، فكلها مؤشرات على تلف اللحم أو سوء الذبح والتخزين، وقد لا تكون ناتجة بالضرورة عن التسمم الميكروبي، لكنها خطرة.

بالنسبة للدواجن، تحقق من خلو الجلد من الألوان غير المرغوبة، وعدم وجود انتفاخات تحت الأجنحة أو حول المفاصل.

رابعًا: الأطعمة البحرية – الفساد السريع عدو خفي

الأسماك والقشريات والصدفيات من أكثر الأطعمة تعرضًا للفساد، سواء بسبب الميكروبات أو التلوث الكيميائي في بيئة الصيد. ولذا يجب شراؤها فقط من بائع موثوق، يلتزم بتخزينها بطريقة صحية.

تأكد من أن جميع الأسماك محفوظة في ثلاجات بدرجة لا تتجاوز 5 درجات مئوية.

السمك الطازج لا يُخطئه النظر: يجب ألا يحتوي على رائحة غريبة، وتكون عيونه لامعة بارزة، وخياشيمه وردية اللون. أما الجلد فيجب أن يكون لامعًا ومتماسكًا، ولا توجد عليه طبقة مخاطية.

اضغط بإصبعك على جسم السمكة – إذا انضغطت الأنسجة بسهولة ولم تعد لطبيعتها، فهذا يعني أنها غير طازجة. وبالنسبة للمحاريات والجمبري، يجب أن تكون القشرة صلبة ومتماسكة، أما الصدفيات فيجب أن تكون مغلقة بالكامل.

خامسًا: الأطعمة الجاهزة أو نصف المطهية – مراقبة التفاصيل ضرورة

تشمل هذه الفئة الأطعمة المطهية جزئيًا أو كليًا مثل الأرز، المكرونة، الكشري، اللحوم والدواجن المصنعة. هذه الأطعمة معرضة للتلوث من أدوات التقديم أو العاملين أنفسهم، لذا لابد من اتباع شروط صارمة لضمان سلامتها.

يجب حفظها دائمًا في ثلاجات على درجة 5 مئوية.

تغطى بواجهة زجاجية شفافة تمنع التلوث.

يمنع خلط الأطعمة الجاهزة مع الأغذية الخام أو النيئة.

تُستخدم أدوات تقديم منفصلة لكل صنف لتجنب التلوث العرضي.

لا تتعامل إلا مع محلات موثوق في نظافتها وسلامة العاملين بها.

لاحظ دائمًا روائح المكان، نظافة الأرضيات، وغياب الحشرات.

بالنسبة للدجاج المشوي، يجب تناوله أو وضعه في الثلاجة خلال ساعتين من الشراء، خاصة في الصيف.

سادسًا: الخبز والمخبوزات والمعجنات – الخطر قد يكون في التفاصيل

لا تشتري الخبز المعروض في الشارع مكشوفًا أو موضوعًا على الأرصفة.

تجنب وضع الخبز في أكياس بلاستيكية سوداء.

لا تسمح بفرش الخبز على الأرض أو الجرائد حتى يبرد.

تجنب شراء المعجنات التي تحتوي على الكريمة أو البيض، مثل التورت والجاتوهات، إلا من محلات مشهود لها بالنظافة، حيث إن هذه المنتجات قد تسبب التسمم بالسالمونيلا.

سابعًا: الأغذية المصنعة (منتجات الألبان، البيض، الكريمات، العصائر، إلخ)

تُحفظ دائمًا في الثلاجات على درجة 5 مئوية.

يُمنع شراء أي عبوة غير سليمة أو بها انتفاخ أو خدوش.

تأكد من تاريخ الإنتاج والانتهاء.

يُفضّل استخدام البيض خلال أسبوعين فقط من تاريخ الإنتاج، والتخلص من المكسور منه فورًا.

ثامنًا: الأغذية المجمدة – لا تشتري أي عبوة مفتوحة

لا تشترِ عبوات مخدوشة أو مقطعة.

تأكد من تاريخ الإنتاج والانتهاء.

تاسعًا: الأغذية المعبأة والمجففة والمحافظة في زجاجات

هذه الأطعمة أكثر أمانًا بفضل احتوائها على مواد حافظة أو تعرضها لمعالجات حرارية. لكنها قد تفسد إذا تعرضت لعبوات غير سليمة.

لا تشتري عبوات بها خدوش أو انتفاخات أو صدأ.

اقرأ تاريخ الإنتاج والانتهاء جيدًا.

الأغذية المجففة (أرز، مكرونة، بقوليات، دقيق، فواكه مجففة) يجب أن تكون العبوة محكمة، والمحتوى جاف تمامًا.

عاشرًا: أثناء الانتقال إلى المنزل – لا تفسد كل مجهودك

في الصيف، لا تترك المنتجات الحيوانية أو السمكية خارج الثلاجة لأكثر من 30 دقيقة.

رتّب الأطعمة حسب نوعها: اللحوم والدواجن معًا، الأسماك منفصلة، المجففات والمعلبات وحدها.

فصل الروائح القوية عن باقي الأطعمة.

لا تضع مواد التنظيف مع الأطعمة إطلاقًا، بل في كيس منفصل.

خاتمة: صحتك تبدأ من سلة التسوق

قد تبدو عملية التسوق أمرًا روتينيًا، لكنها في الواقع أحد أهم أسلحتك في الحفاظ على صحة عائلتك. باتباع هذه التعليمات الدقيقة، يمكنك أن تحوّل كل رحلة تسوق إلى خطوة واثقة نحو حياة صحية وآمنة.
ولا تنسَ أن الوقاية لا تبدأ في المطبخ فقط، بل في السوق أيضًا.

ا.د/ رشاء علاء الدين شلبي, رئيس بحوث, استاذ التغذية, المركز الاقليمي للاغذيه و الاعلاف