الثلاثاء، 10 رجب 1447 ، 30 ديسمبر 2025

د. أحمد محمد أبو خشبة يكتب.. الدهون أصدقاء أم أعداء وكيفة التعامل الذكي معها

د-Recovered-Recovered-Recovered-Recovered-Recovered-Recovered
د. أحمد محمد أبو خشبة
أ أ
techno seeds
techno seeds
في عالم التغذية، تُحيط بالزيوت والدهون هالة من الغموض والتناقض. فهي من ناحية تُوصَف بأنها "سموم بيضاء"، ومن ناحية أخرى تُعتبر عناصر غذائية لا غنى عنها. فكيف يمكن لفئة غذائية واحدة أن تجمع بين هذه التناقضات؟ الإجابة تكمن في فهمنا لطبيعة هذه الدهون وأدوارها المختلفة، مع التركيز على واحدة من أكثر الجزيئات إثارة للجدل: الكوليسترول.

التصنيف العلمي للدهون
1.الدهون المشبعة

توجد بشكل أساسي في المصادر الحيوانية (اللحوم، منتجات الألبان) وبعض المصادر النباتية (زيت جوز الهند، زيت النخيل). ترفع الكوليسترول الضار (LDL) عند الافراط في تناولها.

2.الدهون غير المشبعة

•أحادية غير مشبعة: توجد في زيت الزيتون، الأفوكادو، المكسرات. تخفض LDL وترفع الكوليسترول الجيدHDL 

•متعددة غير مشبعة: تشمل أوميجا-3 (في الأسماك الدهنية، بذور الكتان) وأوميجا-6 (في زيوت الذرة وعباد الشمس). ضرورية لوظائف الجسم ولكن التوازن بينهما مهم.

3.الدهون المتحولة

تنتج صناعياً من هدرجة الزيوت النباتية جزئياً، وتوجد في الأطعمة المصنعة، ترفع LDL وتخفض HDL، وترتبط بقوة بأمراض القلب والالتهابات.

أولا:  الزيوت والدهون – لماذا نحتاجها؟


قوة الطاقة الكامنة

الدهون هي مستودع الطاقة الأكثر كفاءة في جسم الإنسان. حيث يعطي كل جرام منها 9 سعرات حرارية، أي أكثر من ضعف ما تقدمه الكربوهيدرات والبروتينات.

وظائف بنائية ووظيفية

•تدخل الدهون في تكوين الأغشية الخلوية التي تحمي مكونات الخلية وتنظم دخول وخروج المواد.

•تشكل طبقة عازلة تحت الجلد تحافظ على درجة حرارة الجسم، وتُحيط بالأعضاء الحيوية (كالكلى والقلب) لحمايتها من الصدمات.

•تسهل امتصاص الفيتامينات الذائبة في الدهون (A, D, E, K)، والتي تشارك في الرؤية، المناعة، قوة العظام، والتجلط.

الأحماض الدهنية الأساسية

يحتاج الجسم إلى أحماض دهنية لا يستطيع تصنيعها، مثل:

•أوميجا-3: في الأسماك الدهنية، الجوز، وبذور الكتان  تُقلل الالتهابات، تدعم صحة الدماغ والقلب.

•أوميجا-6:  في زيوت الذرة وعباد الشمس  مهمة لنمو الخلايا، ولكن بشرط التوازن مع أوميجا-3.

ثانياً: الكوليسترول – البطل ذو الوجهين


الكوليسترول هو مادة دهنية يصنعها الكبد (بنسبة 80%) ونتناولها من الغذاء (بنسبة 20%). وهو ضروري للحياة، إذ يدخل في:
•بناء الخلايا: يدخل في تركيب أغشية جميع خلايا الجسم.

•تكوين الهرمونات: هو المادة الخام لصنع الهرمونات الجنسية (الإستروجين، التستوستيرون) وهرمونات الإجهاد (الكورتيزول).

•انتاج فيتامين د: تحت أشعة الشمس، يتحول الكوليسترول الموجود في الجلد إلى فيتامين د.

•إنتاج العصارة الصفراوية: تساعد على هضم الدهون في الأمعاء.

أنواع الكوليسترول: 


يُحمل الكوليسترول في الدم بواسطة بروتينات خاصة تسمى البروتينات الدهنية:

1.البروتين الدهني منخفض الكثافة (LDL) - "النوع الضار":

مهمته: نقل الكوليسترول من الكبد إلى خلايا الجسم.

مشكلته: عند زيادته، يمكن أن يترسب على جدران الشرايين مكوناً لويحات تصلبية، مما يضيقها ويرفع خطر الجلطات وأمراض القلب.

2.البروتين الدهني مرتفع الكثافة (HDL) - "النوع المفيد":

مهمته: عمل "نظام تنظيف"؛ حيث يجمع الكوليسترول الفائض من الشرايين والأنسجة ويعيده إلى الكبد للتخلص منه.

كلما ارتفعت نسبته، كان ذلك أفضل لحماية القلب.

3.الدهون الثلاثية:


هي الشكل الرئيسي للدهون المخزنة في الجسم.

يرتبط ارتفاعها الشديد بالسمنة ، وأمراض القلب.

ثالثاً: المخاطر الصحية – عندما يختل التوازن، ماذا يحدث؟


تصلب الشرايين وأمراض القلب


الخطر الحقيقي يكمن في اختلال نسبة LDL إلى HDL.  حيث أن ارتفاع LDL مع انخفاض HDL يؤدي إلى تراكم اللويحات في الشرايين التاجية المغذية للقلب، مما قد يسبب:

•الذبحة الصدرية

•النوبة القلبية: انسداد كامل للشريان.

السمنة والأمراض المرتبطة بها


الإفراط في تناول السعرات الحرارية من أي مصدر (خاصة الدهون والسكريات) يؤدي إلى تحول الفائض إلى دهون ثلاثية تخزن في الخلايا الدهنية. ترتبط السمنة المركزية (حول البطن) بشكل خاص بمقاومة الإنسولين والسكري من النوع الثاني.

الالتهابات المزمنة

النظام الغذائي الحديث غني بأوميجا-6 (في الزيوت المكررة والأطعمة المصنعة) وفقير بأوميجا-3. هذا الخلل يحفز الجسم على إنتاج مواد محفزة للالتهاب، ترتبط بأمراض مثل التهاب المفاصل، وأمراض القلب، وحتى بعض الأمراض الذهنية.

رابعاً:  التعامل الذكي مع الدهون


ماذا نأكل؟ (التركيز على النوعية)

•قلل من:

الدهون المتحولة: (المقليات الجاهزة، المخبوزات المصنعة، السمن النباتي المهدرج)فهي  ترفع LDL وتخفض  HDL

الدهون المشبعة بكميات كبيرة: (اللحوم الحمراء الدهنية، السمن الحيواني، الجبن الدسم). تناولها باعتدال.

•زد من:

الدهون غير المشبعة:


أحادية: زيت الزيتون البكر، الأفوكادو، المكسرات.

متعددة: الأسماك الدهنية (السلمون، السردين)، بذور الكتان، الجوز.

الألياف الغذائية: (الشوفان، الفواكه، الخضروات) تساعد على خفض امتصاص الكوليسترول.

فحص مستويات الدم: معرفة وضعك

يجب فحص صورة الدهون الكاملة بانتظام، والتي تشمل:

•الكوليسترول الكلي.

•الكوليسترول الضار (LDL).

•الكوليسترول النافع (HDL).

•الدهون الثلاثية.

نمط الحياة: السلاح الأقوى


•الرياضة: النشاط البدني المنتظم يرفع HDL ويخفض الدهون الثلاثية.

•الإقلاع عن التدخين: التدخين يرفع LDL ويخفض  HDL.

•متابعة الوزن: فقدان 5-10% من الوزن يحسن جميع مؤشرات الدهون في الدم.

الخلاصة: التعايش الواعي

الزيوت والدهون، بما فيها الكوليسترول، ليست أعداءً يجب محاربتها، بل هي مواد حيوية يحتاجها الجسم بوعي:

•الوعي بنوع الدهون التي ندخلها إلى أجسامنا.

•الوعي بأهمية التوازن بين الأنواع المختلفة.

•الوعي بأن الغذاء الصحي هو نظام متكامل، لا مجرد تجنب أو إضافة مكون واحد.

فالدهون الصحية، عند استهلاكها ضمن نظام غذائي متوازن غني بالخضروات والفواكه والحبوب الكاملة، ومقترن بنمط حياة نشط، تصبح صديقاً قوياً لصحة القلب والدماغ والجسم بأكمله.

إعداد/ د. أحمد محمد أبو خشبة
– مركز البحوث الزراعية - معهد تكنولوجيا الأغذية.
اشترك في قناة اجري نيوز على واتساب اشترك في قناة اجري نيوز على جوجل نيوز
icon

الأكثر قراءة